& بكر عويضة&

&احتمال ممكن. واقع حسابات العمل السياسي، يثبت أن كل مَن يضع أي حساب في خانة المستحيل، فيصدر الحكم القاطع، مثل حد السيف، بأن حصول كذا، أو وقوع كذا، هو من «سابع المستحيلات»، كما يتردد في الأمثال، هو واهمٌ، أو مخطئ، وربما مضَلَل. ضمن هذا السياق، ليس من المستحيل أن يخوض الدكتور المهندس سيف الإسلام، ثاني أنجال العقيد معمر القذافي، معركة انتخابات رئاسية، إذا سُمح له بالترشح فيها، فإنْ فاز، وحظيت نتائجها بالقبول محلياً، ثم بالترحيب عربياً ودولياً، فليس أمام الآخرين سوى التعامل مع نظام الرئيس الليبي سيف الإسلام القذافي. ثمة مستنكر سوف يصيح: كيف يحصل هذا؟ مبرر الاستغراب، وربما الاستهجان، يرجع إلى استفظاع أن تمر ليبيا، بكل ما جرى من فظائع منذ اندلاع ثورة 17/ 2/ 2011 كي ترجع مرة ثانية لحكمٍ قذافيٍّ، ولو عن طريق الاقتراع الشعبي.


صعبٌ تخيّل انتهاء المأساة الليبية إلى تطور كهذا، إذ هو يوحي باحتمال إمكانية دفن معاناة الليبيين طوال أكثر من سبع سنين، كأنها لم تكن أبداً. إنما استبعاد التطور في حد ذاته خطأ كذلك. ثم، من الخطأ، أيضاً، الافتراض أن ليبيا برئاسة سيف القذافي، سوف تكون هي ذاتها جماهيرية والده. من هنا وجب تأكيد أن «القذافية» في العنوان، ليست تعني عودة ليبيا تماماً إلى ما كانت عليه قبل إطاحة حكم معمر القذافي. مَن يفترض، أو يرغب، في حصول استدارة تامة مثل هذه، إنما يوجه إساءة جارحة، لمجمل الليبيين، بل لعلها يجب أن تُخجِل من يتصورها، حتى لو أنه، أو أنها، من أشد القذافيين حماسةً. نعم، يمكن تخيّل أن يتسلم نجل العقيد المُطاح حكمه، الحكمَ مجدداً. إنما، كلا، ليس ممكناً أن يسمح الليبيون «للرئيس سيف الإسلام القذافي» بأن يأخذهم من جديد إلى أوهام ماضٍ توّلى. هل ثمة تناقض هنا مع ضرورة استبعاد القول القاطع في العمل السياسي، كما ورد في مستهل المقالة؟ كلا، ذلك أن منطق الأمور يغلّب احتمال رفض الليبيين لأي استعباد بأي شكل أتى. ومن المنطق أيضاً، الافتراض أن سيف الإسلام، والفريق الذي يعمل معه، يدركون هذا الأمر، وإن لم يفعلوا، فهم إذن في غفلة عما جرى حولهم، وهو أمر مستبعد.


تجدد النشاط السياسي للمهندس سيف القذافي، بشكل بارز خلال الأشهر القليلة الماضية، عزز احتمال عودة النجل، للحلبة السياسية في بلده، ومن باب الانتخابات الرئاسية. معروف كم تردد خلال الخمس سنوات الأخيرة لحكم العقيد، وبصورة تقترب من التأكيد الجازم، أن نجله سيف هو الوريث المرجح حظاً لنظام والده. ضمن هذا السياق، جرى التعامل مع القذافي الابن، عربياً، ودولياً، من منطلق مساعدته في تطبيق أفكار إصلاح أخذ هو يكثر من الحديث عنها، سواء على الصعيد الداخلي، أو بشأن علاقات ليبيا مع محيطها العربي وفي المجتمع الدولي. لذا، ليس مستغرباً أن تفتح روسيا أوسع الأبواب أمام النشاط السياسي المتجدد للقذافي، خصوصاً أن في حلق موسكو غصة مما ترى أنه خداع تعرضت له من قبل الغرب في ليبيا.


يتضح الاهتمام الروسي من استقبال موسكو الأسبوع الماضي لوفد يمثل سيف الإسلام القذافي. استقبل الوفد من قِبل ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، الذي تسلم رسالة موجهة إلى الرئيس فلاديمير بوتين. هل تمضي الأمور إلى أبعد في مسار علاقة سيف بالكرملين؟ حسب تقرير لوكالة «سبوتنيك»، يبدو أن ليف دينغوف، رئيس مجموعة الاتصال الروسية بشأن الأزمة الليبية، متحمس لتطوير العلاقة، إذ يرى أن «سيف الإسلام إيجابي للغاية، ويمكننا القول إنه سيكون أحد الأطراف المشاركين في العملية السياسية، لسبب بسيط هو أن هناك مجموعة معينة من الناس تدعم كل ما يتعلق بالقذافي وعائلته».
محمد الغدي، ومحمد القيلوشي، عضوا وفد سيف لموسكو لم يشيرا إلى احتمال ترشحه للرئاسة، لكن باسم الصول، المتحدث باسم عائلة القذافي، قال للوكالة ذاتها إن «سيف الإسلام مرشح لرئاسة ليبيا، هذا أمر لا جدال فيه». ليس من شيء مستبعد في الشأن السياسي، إنما يبقى السؤال: هل لدى القذافي الابن، والفريق العامل معه، الاستعداد للحكم بمنطق التسامح؟ الإجابة تبقى في علم الغيب.