محمد آل سلطان

كنت قد شبهت الإعلام السعودي في مقالي السابق بالسيارة التي تحمل في محركها طاقة كامنة 12 سلندر ولكنها تعمل بأقل من ربع قدرتها على الجهد والعطاء، ورغم أن كثيراً من أعداء السعودية تقض مضاجعهم الآلة السعودية الإعلامية وهي تعمل بربع طاقاتها على الأكثر إلا أن السعوديين شعباً وحكومة الذين تتجاوز طموحاتهم عنان السماء لا يرضيهم هذا الأداء الإعلامي ويرون أنهم قادرون على إحداث تحول إعلامي كبير ورهيب، وأن لديهم فرصاً قادمة ينبغي استغلالها والعمل عليها بالنظر من جهة إلى عدالة المواقف السعودية وأنها دولة مهمة وذات تأثير في المحيط العربي والإسلامي والدولي، ومن جهة أخرى إلى ترجمة قوتها الناعمة كمعادل موضوعي لقوتها الخشنة أو يزيد.

وعندما نتعامل لأجل تحسين بناء الصورة الذهنية وإدارة السمعة التي تترجم عدالة القضايا والمواقف السعودية وحجم وتأثير الثقل السعودي في الميزان الدولي وعلى كل الأصعدة فإننا، بغض النظر عن عمليات الإعلام الداخلية والخارجية والتشغيلية والوسائل المختلفة والمنصات المتعددة، نجد أنفسنا أمام مشروع وطني لا يقتصر على الإعلاميين أو المسوقين أو شركات العلاقات العامة بل مشروع ينخرط فيه كل كوادر السعودية من سياسيين وقانونيين ومسؤولين ومثقفين وأدباء وكتاب ومنتجين ودعاة وفنانين وأطباء ومهندسين وعسكريين وأساتذة جامعات وطلاب.. إلخ، فقط يعملون على أربعة محاور إستراتيجية لإحداث «التحول الإعلامي» الذي يليق ببلادنا وبقيادتها وشعبها، وسأتناولها برؤوس أقلام تحده مساحة المقال وعدد الكلمات المسموح به:

المحور الأول: الاستباقية، وأقصد بها استشراف رصد وتحليل كل الافتراضات الخاطئة والشائعات المغرضة والأزمات الخلافية القادمة على كل الأصعدة التي تهم الشأن الوطني والتي يعمل على ترويجها أعداء السعودية أو تسللت بطريقة أو بأخرى لمخيلة الرأي العام العالمي والمحلي بغفلة منا والعمل على تصفيتها أو موازنتها في الرأي العام من خلال التواصل الراقي والمحتوى المحترف والتسويق الفعال؛ لأننا بهذا العمل نعبد الطريق بإزالة الصخور والقاذورات والأشواك ونجعله سالكاً أمام بناء صورة ذهنية أقوى يتم التحضير لها بشكل موازٍ ومتتالٍ.

وسأضرب مثالاً واحداً على بعض هذه الافتراضات الخاطئة القائمة حالياً وهي: أن المملكة هي التي تتسبب برفع أسعار الطاقة على العالم، وأن المواطن الآسيوي أو الأوروبي أو الأمريكي عندما ينفق من جيبه لتعبئة سيارته هو يودع هذا المبلغ في الخزينة السعودية! بينما الحقيقة تقول إننا نبيع ثروة ناضبة بأسعار زهيدة تقوم مصلحة الضرائب في تلك الدول بوضع ضريبة تصل إلى أربعة أضعاف السعر المشترى للطاقة وبالتالي تجني من وراء هذه الضريبة أربعة أضعاف الدخل الذي تحصل عليه الدول المنتجة بعد خصم التكاليف!

المحور الثاني: التفاعل، وهو أن نتواصل مع الجميع «بذكاء تكتيكي وإستراتيجي» في مؤسسات صناعة الرأي العام حتى مع المؤسسات التي اتخذت موقفاً معادياً للسعودية طوال تاريخها، وأن يكون هذا التفاعل والتواصل مؤسساتياً، وأحد وجوهه أن يكون عبر المؤسسات الإعلامية المحلية والمحسوبة على السعودية بعد تقويتها ودعمها؛ لأن للإعلام والتأثير لغة خاصة قد تسهل مهمتها أمام المؤسسات وتصعب على الأفراد أو الجهود الفردية.

المحور الثالث: المحتوى وكما قال بيل غيتس «المحتوى هو الملك»، والسعودية لديها كثير من المواهب والموارد البشرية التي لديها قدرة على إنتاج محتوى عالمي وإنساني ودرامي متنوع صوتاً وصورة وحرفاً وبكل اللغات يترجم بخطاب عالمي وإنساني عدالة المواقف السعودية وتأثيرها وحرصها على النماء والازدهار والسلام، محتوى يحول كل البيانات السعودية الضخمة إلى معلومات ومعرفة متى ما أنتجت وأعيد إنتاجها ستدهش العالم.

المحور الرابع: التسويق، وهنا لا أقصد بالتأكيد الدعاية والإعلان على أهميتهما ولكن أشير إلى التسويق المحايد بحيث تحمل الرسائل السعودية ذات المحتوى الفعال والتأثير القوي لتكون حاضرة وتفرض نفسها في كل المؤتمرات والمنتديات والفعاليات والمؤسسات الدولية عبر نمط موجه ومخطط له.

وفي الختام أثق أن أمام الإعلام السعودي فرصاً كبرى وقدرة فائقة على أن يسير بسرعة توافق طاقته الكامنة فيه، وبمجرد أن يتم التخطيط لهذا العمل الوطني في الهيكل والمضمون سنكتشف وبسهولة أن كل الأصوات النابحة والمواقف المعادية لبلادنا هي خواء يتبخر بمجرد ما تتسع دائرة الوهج السعودي؛ لأن الحقائق الصغيرة متى ما ظهرت قادرة على نسف جبال من الباطل والكذب! بسهولة وصيرورة زمانية في الحق أبلج والباطل لجلج!