علي سعد الموسى

للسنة الثامنة على التوالي، ما زالت ليلى تملأ كل عام تلك الأسطر من الفراغات الحجرية على الموقع الإلكتروني لبرنامج جدارة. اسمها...... شهاداتها...... خبراتها..... دبلومات ما بعد الجامعة...... كل شيء من ذلك الفراغ المخيف الذي أخذها في السطر الأخير إلى السؤال الحزين: العمر؟

تكتب بدموعها «إحدى وثلاثين سنة». تطفئ أنوار الكهرباء في الغرفة الكئيبة التي استغرقت من مشوار حياتها نصف عمر أمة محمد. تبكي بحرقة على رفضها الخاطب الوحيد الذي تقدم لأهلها في عمر التاسعة عشرة. ترددت لأنها تريد إكمال الحلم الجامعي. جمعت بعد الجامعة خمس شهادات إضافية، وكلها لا تحتاج من المعاهد الخاصة سوى رسوم التكلفة، أما الشهادات الخمس فتصل إليها فورا بضغطة إلكترون. بعض الغرف المنزلية في حياة آلاف الأسر تغريدة مثبتة. أنا لم أقل كابوس لعنة أبدية. صارت ليلى تخجل من كل نقاشات أهلها بوصفها عفشا لا يمكن أن يرمى رغم الاستغناء عنه. لم يكن والدها يريد جرح مشاعرها على الإطلاق وهو يقول لأمها: ستملأ ليلى عن «جدارة» مكان العاملة المنزلية. كانت تستمع لتلك الجملة القاتلة صدفة وهي تملأ استمارة «جدارة».


اعتزلت ليلى الحياة حين ابتدأت عزلة النقاش. كانت تستمع لأختها الصغرى وهي تتطاير فرحا بارتفاع معدلات النسب الموزونة والمؤهلة على أبواب الجامعة. نظرت إليها بعين مزدحمة بكل شيء، كادت أن تقول لها إن حياة البنات بلا «وزن» مهما كانت درجة «التأهيل». فجأة...... بكت... ورمت برأسها على صدر أختها ثم صرخت: أمامك من الآن اثنتا عشرة سنة قادمة كي تنتهي من كتابة السطر الأخير على موقع «جدارة». لا أعلم ماذا ستفعلين عندما تواجهين السؤال المخيف في الحادية والثلاثين: كم العمر؟ لا أعلم كيف ستتحملين السنة الأولى بعد العقد الثالث من العمر لا دون زوج أو وظيفة، ولكن دون الفرحة بريال واحد مثل كل خلق الله في آخر الشهر. لا أعلم كيف ستقضين كل نهار بالجامعة حين تعلمين أن كل نهار من التعليم سيوازيه ما يقرب الأسبوع الكامل من البطالة فيما بعدها، وعليك الحساب. واحد وثلاثون عاما من الحرمان الطويل «ومن يعش..... ثلاثين حوْلاً لا أبا لك يسأم».