جيمس زغبي 

صادق مجلس الشيوخ الأميركي في عام 2016، دون نقاش أو تصويت فعلي، خلسة على مشروع قانون مثير للقلق وخطير جداً يسمى «قانون الوعي بمعاداة السامية (AAA) لعام 2016». طالب مشروع القانون من وزارة التربية والتعليم بتطبيق مفهوم وزارة الخارجية لمعاداة السامية في تقييم شكاوى التمييز في الجامعات الأميركية. ولأنه كان لبعض أعضاء الكونغرس المحافظين مخاوف من أن التشريع ينتهك حرية التعبير، فإن مشروع القانون لم يمر في مجلس النواب ومات.

في الأسبوع الماضي، أعيد تقديم مشروع القانون مع تغييرات طفيفة. لكنه كان (ولا يزال) «غبياً وخطيراً». فهو لم يصمم لمكافحة معاداة السامية، بل لقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين في الجامعات، وهو أمر أقرت به المنظمات المؤيدة لإسرائيل التي ساعدت في كتابة مشروع القانون.
التعريف العملي لمعاداة السامية الذي تضمنه مشروع القانون صُمم لمساعدة المسؤولين على مراقبة معاداة السامية في الخارج. ولم يكن القصد تطبيقه لمراقبة حرية التعبير في حرم الجامعات الأميركية.
وفي سبيلها لتطوير التعريف والتوجيه، تبنت وزارة الخارجية التعريف المعتمد من قبل مركز المراقبة في الاتحاد الأوروبي المعني بالعنصرية وكراهية الأجانب (EUMC)، الذي ينص على أن: «معاداة السامية هي تصور معين لليهود، الذي يمكن التعبير عنه على شكل كراهية لليهود. والتعبير اللفظي والمادي لمعاداة السامية الموجه نحو الأفراد اليهود أو غير اليهود و / أو ممتلكاتهم، ونحو مؤسسات المجتمع اليهودي والمؤسسات الدينية».
هذا الوصف لمعاداة السامية صحيح ومفيد، وكذلك العديد من الأمثلة على معاداة السامية المعاصرة المذكورة في التوجيه، بما في ذلك: «اتهام اليهود – كشعب – بالمسؤولية عن ارتكاب جريمة حقيقية أو متخيلة ارتكبها شخص يهودي واحد أو جماعة، أو دولة إسرائيل، أو حتى أفعال ارتكبها اشخاص من غير اليهود أو اطلاق مزاعم كاذبة او تنزع انسانية اليهود أو تشيطنهم أو تشيع صورة نمطية عن اليهود أو القوة الجمعية لهم».
هذه الأمثلة وغيرها من الأمثلة المذكورة في الدليل هي معادية للسامية وخطأ تماماً.. لكن الدليل «يخرج عن قضبان السكة» عندما يحاولون توسيع التعريف ليشمل «معاداة السامية بالنسبة لإسرائيل»، مستشهدين، كأمثلة، بالخطاب الذي يشوه صورة إسرائيل أو يطعن في شرعيتها أو يطبق معيارًا مزدوجًا على إسرائيل. المثال المعطى لتطبيق مبدأ «الكيل بمكيالين لإسرائيل» هو «مطالبة إسرائيل بسلوك غير متوقع أو مطلوب من أي دولة ديموقراطية أخرى».
مع هذا التوسع في تعريف معاداة السامية، يصبح التوجيه غير موضوعي ومفتوح للاستغلال الخطير من قبل أولئك الذين يستخدمونه لإسكات الأصوات المنتقدة لإسرائيل.
فهذه اللغة غامضة ومفتوحة لمختلف التفسيرات لدرجة أنه عندما يتم الضغط على مجلس إدارة جامعة ولاية كاليفورنيا لتطبيق التعريف العملي على حرم كاليفورنيا، اعترض المؤلف الرئيسي لتعريف EUMC لمعاداة السامية، مشيرًا إلى المخاطر التي تنطوي عليها على حرية التعبير، قائلاً إن «تكريس مثل هذا التعريف في حرم الكلية هو فكرة غير حكيمة تزيد الأمور سوءًا، ليس للطلاب اليهود فقط، بل ستلحق الضرر أيضًا بالجامعة ككل». واشار الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) أنه «إذا أصبح هذا المشروع قانونًا، فمن المحتمل أن يتم فرض قيود على الخطاب السياسي الناقد لإسرائيل.. وقد تقمع الكليات والجامعات مجموعة واسعة من الخطابات التي تنتقد إسرائيل أو تدعم الحقوق الفلسطينية في محاولة لتجنب التحقيقات من قبل وزارة التعليم واحتمال فقدان التمويل». وإذا كان مشروع القانون هذا خطيرًا، بل وحتى غير ضروري، فلماذا تم تقديمه؟ ان قراءة صحيفة الوقائع المرفقة بالتشريع، تكشف عن النية السياسية الشريرة لمشروع القانون- وهي إسكات الحركات الطلابية في الحرم الجامعي وحظر الأنشطة التي تنتقد إسرائيل، لا سيما حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). وفي ضوء ذلك، فإن AAA هي امتداد لجهود تشريعية أخرى في الكونغرس و24 ولاية لحظر أو معاقبة الأفراد أو الكيانات التي تشارك في أي شكل من أشكال المقاطعة ضد دولة إسرائيل. (في تطور جديد، قام عدد من الولايات إما بتمرير أو دراسة نسخ مماثلة من AAA).. وهذا ينطوي على خطأ على العديد من المستويات. لقد تدخلت الحكومة بصورة غير عادلة في التأثير في النقاش الذي يدور في حرم الجامعات الاميركية من خلال دعم جانب، وتهديد الجانب الآخر إذا ما تجاوز خطاً تم رسمه بشكل تعسفي.
هذه الجهود تبعث برسالة الى الطلاب الفلسطينيين والطلاب اليهود التقدميين بأن خطابهم سيكون مراقباً وأنهم قد يتعرضون للعقوبات. فإذا اطلق الطلاب على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو صفة «وحش» أو يتهمون الجيش الإسرائيلي «بالهجوم البربري على غزة» – فانهم سيتهمون بـ«شيطنته» وماذا لو تحدث الطلاب عن «التطهير العرقي» للفلسطينيين عام 1948 أو ينتقدوا الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.
وفي الوقت الذي ستعمل هذه الجهود على تخويف وإسكات النشاط المؤيد للفلسطينيين في الجامعات، فإنها تشجع الجماعات الطلابية الموالية لإسرائيل على تقديم شكاوى متكررة ضد المنظمات والأساتذة المؤيدين للفلسطينيين، بينما يتم تجاهل دعوات معاداة السامية الحقيقية حينما تطل برأسها القبيح.
ما أجده أكثر إثارة للسخرية هنا هو الدرجة التي حولت بها هذه المناقشة بأكملها الحقيقة، رأساً على عقب. أفهم أن أشياء مريعة ومؤلمة قد قيلت وأن بعض الطلاب الموالين لإسرائيل قد يشعرون «بعدم الارتياح» في بعض الحالات، أو أن مناقشة المقاطعة في حرمهم قد تجعلهم يشعرون أنهم في بيئة معادية. لكن من غير المبرر تجاهل المضايقات والتهديدات وعمليات التشهير التي يتعرض لها الطلاب الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين. ففي كثير من الأحيان، هم الذين يعملون في بيئة معادية. وهم المستهدفون من الحملات الممولة تمويلاً جيداً ويتعرضون للتهديدات والمضايقات. وعندما يكتب العرب الأميركيون مقالات الرأي في الصحف المدرسية، تجد سيلاً من التعليقات المليئة بالتعصب والكراهية.
خلاصة القول، هي أن هناك أوقاتًا أصبح فيها النقاش قبيحًا وتجاوز فيه الطلاب من الجانبين، الخطوط الحمراء. وعندما يحدث هذا، فإن ما ينبغي على الجامعات معالجته هو الحاجة إلى المزيد من الكياسة في خطابنا السياسي والمساعدة في خلق بيئة تشجع على الانفتاح على مناقشة القضايا المثيرة للجدل. ولسنا بحاجة الى قوانين لإسكات النقاش. وهو ما لن يؤدي إلا إلى خلق المزيد من العداوة والكراهية.
ومما يزيد من قلقى من AAA حقيقة أن مجلس الشيوخ هذا الأسبوع في تصويت على اساس حزبي واضح (50 جمهوريا مؤيدا و46 ديموقراطيا معارضا) أكد كينيث ماركوس كأمين مساعد لشؤون الحقوق المدنية، وهو المكتب الذي سيحقق ويعاقب الكليات والجامعات التي تنتهك قانون معاداة السامية.
ووفقًا لاتحاد الحريات المدنية الأميركي (ACLU)، فانه خلال فترة ترؤسه مجموعة مراقبة معاداة السامية، شجع ماركوس جماعات طلابية يهودية على تقديم شكاوى لدى وزارة التعليم «للضغط على الكليات من اجل قمع الخطاب المنتقد لإسرائيل. فإذا أصبح AAA قانونًا، مع ماركوس في فرض تطبيق أحكام القانون، فسوف تكون نكسة لحرية التعبير والنقاش المفتوح حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في الجامعات الأميركية. وهو بالضبط، ما أراده الراعون لمشروع القانون هذا.