& &وفاء صندى

&

يعتبر الإرهاب واحدا من أكثر المخاطر التي تهدد الامن والسلم الدوليين، بعدما بات يهدد الجميع دون استثناء، بينما أصبحت مواجهته على قائمة أولويات العديد من دول العالم، ومنها، على وجه الخصوص، الدول الأكثر تضررا منه، وضمنها المغرب، الذي اعتمد منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 استراتيجية لمكافحة الإرهاب، واضعا الأجهزة الأمنية في حالة تأهب لمواجهة المخططات الإرهابية محلية كانت أم عابرة للحدود، مما مكنه، منذ 2002، وإلى غاية آخر عام 2018، من تفكيك ما يقارب 183 خلية، وتجنيب المملكة من وقوع 361 عملا إرهابيا. وحسب أرقام رسمية، فقد تم خلال الفترة ما بين 2002 و2018 إلقاء القبض على 3196 شخصا، لدى أكثر من 296 منهم لهم سجل اجرامي. بينما بلغ عدد المغاربة الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق نحو 1666، لدى 225 منهم سوابق في قضايا الارهاب، ومنهم 289 امرأة و370 طفلا؛ بعضهم ولد هناك؛ بينما قتل منهم 643 شخصا، وعاد 245 آخرون الى المغرب، ضمنهم 52 امرأة و15 طفلا.

&وفي إطار استراتيجيته الاستباقية، قام المغرب بمجموعة من الإجراءات الأمنية من ضمنها تكثيف مراقبة المنافذ الجوية والبحرية والبرية للمملكة، لضبط وإفشال تهريب أو إدخال أسلحة من قبل الخلايا الإرهابية، والتدقيق في هوية الوافدين، وتشديد إجراءات تفتيش الشحنات، إذ وضعت السلطات الأمنية لهذا الغرض أجهزة إلكترونية وشاشات للمراقبة والتدقيق. كما تبنى المغرب آلية أمنية مبتكرة تتجلى في برنامج حذر، الذي أوكلت إليه مهام حماية المؤسسات والمنشآت والمرافق الاستراتيجية، بالإضافة الى إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية بهدف تقوية المنظومة الأمنية المغربية لمواجهة الارهاب والجرائم العابرة للحدود. ويعتبر هذا المكتب، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الأمن الوطني)، الذي تم تأسيسه في 2015، بعدما تزايدت مخاطر الارهاب بظهور تنظيم داعش، من أهم الأجهزة في المغرب، وخارجه أيضا، التي تسهم بشكل فعال في العمل الاستباقي من خلال تفكيك الخلايا الإرهابية وإبطال مخططاتها التخريبية، ومنع تهديدها لاستقرار البلد وأمن وسلامة مواطنيه، بالإضافة الى الكشف عن الأشخاص الذين يحاولون الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية أو أولئك الذين يعملون على استقطاب وتجنيد الشباب للذهاب الى بؤر التوتر.

وقد قام بمجهودات جبارة منذ إحداثه، حيث قام بتفكيك، عبر فرقة مكافحة الإرهاب، نحو ستين خلية إرهابية، منها 51 مرتبطة بتنظيم داعش، و6 خلايا أخرى مرتبطة بتيار الفيء والاستحلال. وبسبب يقظة هذا الجهاز، فقد شهدت الخلايا الارهابية منحى تراجعيا منذ 2015، حيث تم تفكيك 21 خلية، وانخفض العدد بعد ذلك الى 16 خلية في 2016، ثم 9 خلايا فقط في 2017، غير ان سنة 2018 عرفت تصاعد خطر الارهاب في المملكة حيث تم تفكيك نحو 20 خلية، نجحت احداها، وهي تحمل بصمة «الذئاب المنفردة»، في تنفيذ عمليتها الارهابية بذبح سائحتين اجنبيتين في منطقة إمليل (ضواحي مراكش)، ما يعني ان خطر الارهاب لا يزال يحدق بالمغرب رغم كل الاجراءات الاستباقية.

لقد بذل المغرب جهودا امنية كبيرة لمواجهة الإرهاب، الا أنه رغم كل ذلك اكتوى بنار هذا الأخير، في العام 2003، ثم 2011 واخيرا في أواخر العام 2018، ما يعني ان المقاربة الأمنية وان كانت ضرورية، وان كانت أيضا على اعلى المستويات من المهنية والحذر، إلا أنها وحدها، او حتى باعتماد مقاربة دينية بشكل مواز، لا تكفي لتجفيف منابع الإرهاب ومواجهة التطرف الذي يشكل الخطر الأكبر على مستقبل الأجيال. إن وجود مجرد ثغرة أمنية بسيطة، او تبني أي شخص رسالة متطرفة وقيامه بعملية إرهابية بتخطيط ذاتي وامكانات فردية، على غرار عمليات الذئاب المنفردة، من شأنه إحراج كل السياسات الأمنية، التي لا تستطيع بأي حال رصد ومتابعة الأفكار المتطرفة قبل ان تتحول الى أفعال مادية، كما أنها لا تستطيع كشف ما يدور في عقول أشخاص لا سوابق لهم ولا انتماء هيكلي لأي تنظيم، ويمكن أن يتحولوا بين عشية وضحاها إلى متطرفين ويقومون بالتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية بأبسط الوسائل والامكانات.

إن التصدي للإرهاب واجتثاثه من جذوره يستدعي اعتماد مقاربة شمولية، لا تقتصر فقط على البعد الأمني والديني فحسب، على اهميتهما، ولكن ايضا تستحضر البعد الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي مع تشجيع المواجهة الثقافية والإعلامية، وإشراك مختلف القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في هذه الاستراتيجية. بالإضافة الى اعتماد البعد الوقائي الذي يقوم على المنع، من خلال رصد أسباب التطرف، وحصر أماكن انتشاره وحواضنه، وتحليل مختلف ظواهره، وتقويض مغذياته، ثم معالجة وتطهير المناخ الذي يقود إليه، مع خلق فضاءات للحوار وبناء الثقة لمنع كل مظاهر التطرف والعنف. وعندما يصل صانع القرار الى هذه الاقتناعات، وقتها فقط نستطيع الحديث عن مواجهة ناجحة لمظاهر التطرف من مجتمعاتنا والحديث عن القضاء الفعلي على الارهاب.