خضع تقييم الأوساط السياسية والرسمية اللبنانية لنتائج القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية غداة ارفضاضها بتناقضات الوضع السياسي الداخلي في لبنان أمس، وسط الترويج لمحاولة جديدة للخروج من مأزق تأليف الحكومة بعد إقفال ستارة المسرح على احتضان بيروت اجتماعا عربيا خضع النصاب فيه لتأزم الوضع العربي وعدم نضوج قرار عودة سورية إلى الجامعة العربية وارتداداته اللبنانية.


وفي وقت أعطى القرار القطري عن استثمار الدوحة في سندات الخزينة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار دفعا للعهد مستدلا منه على نجاح القمة، على رغم انخفاض التمثيل القيادي فيها، فإن الفرقاء الذين كانوا طالبوا بتأجيلها بسبب عدم دعوة سورية إليها تجاوزوا ما نتج عنها للإضاءة على أزمة تأليف الحكومة.

وفي هذا السياق التقى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بعد الظهر رئيس "التيار الوطني الحر"، وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل للبحث في تحريك اتصالات التأليف الحكومة. واكتفى باسيل بعدها بالقول: "هناك افكار عدة يتم البحث فيها، وجميعها قابلة للنقاش والرئيس الحريري أبدى موافقته على اكثر من فكرة، وهناك إمكانية حقيقية للعمل كي تشكل الحكومة في حال كانت هناك نوايا لذلك، وسيجري الرئيس الحريري الاتصالات اللازمة في اليومين المقبلين لمتابعة الموضوع".

وذكرت مصادر متابعة لمحطة "ان بي ان" التلفزيونية (المقربة من رئيس البرلمان نبيه بري)، ان الحريري وافق على صيغة رفع عدد وزراء الحكومة من 30 إلى ـ32 وزيرا (وهو أحد اقتراحات باسيل التي سبق للحريري أن رفضها في شكل قاطع)، شرط أن يكون الوزير المسلم الإضافي من حصة السنة وليس علويا والثاني يمثل الاقليات المسيحية. وأشارت إلى أن هذا الامر حظي بموافقة مبدئية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وباسيل. وأشارت المحطة إلى أن حركة "امل" و"حزب الله" لن يوافقا على هذا الطرح لما يولده من خلل طائفي في الحكومة ويفرغ صيغة الـ32 وزيرا من أهدافها اي تمثيل الأقليات ولا سيما العلويين.

إلا أن مصادر متابعة لموقف الحريري أبلغت "الحياة" أن الرئيس المكلف ما زال على رفضه لهذا الاقتراح بالمبدأ، لأنه لن يكرس مبدأ تمثيل العلويين في هذه الظروف نظرا إلى الخلل الذي يسببه في التمثيل الإسلامي والسياسي إذا أصبح الأمر سابقة يمكن تكرارها في حكومات لاحقة حيث يؤدي توزير علوي موال للقيادة السورية إلى خلل في تركيبة الحكومات في البلد. ورأت المصادر أنه على افتراض أن الحريري اقترح أن يكون الوزير المسلم سنيا، فإنه يدرك سلفا أن الثنائي الشيعي لن يقبل به لأنه يخل بالتوازن في الجهة المقابلة. ولهذا السبب عادت أوساط مطلعة على موقف الثنائي الشيعي إلى القول إن الحل الوحيد لمأزق تأليف الحكومة يكمن في تنازل باسيل عن الثلث زائدا واحد، وبإعطاء "اللقاء التشاوري" للنواب السنة حلفاء "حزب الله" وزير من حصة الرئيس عون. وأعربت مصادر أخرى عن خشيتها من أن المبالغة بالحديث عن أفكار وخارج لأزمة التأليف هدفها مجرد إلهاء الرأي العام، في وقت يبقى المخرج عالقا بين قبول باسيل بالتخلي عن وزير من حصة تياره والرئيس عون لتمثيل النواب السنة الستة، وبين أن يقبل الحريري بدوره بأن يتم تمثيل هؤلاء في شكل مباشر، بينما هو ما زال على رفضه لهذا الخيار، لأنه لم يعد مستعدا لتقديم تنازلات حيال مطالب "حزب الله".

وعلى صعيد نتائج القمة ذكرت "وكالة الانباء القطرية" ليل أمس أن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون "اتصل بأمير قطر، وأعرب له عن شكره وتقديره للأمير على مشاركته في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الرابعة التي عقدت في بيروت، مؤكدا أن حضوره كان سببا في نجاحها".

وكان لافتا قول نائب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب نقولا صحناوي أمس إنه "بنجاح القمة انتصر منطق الدولة على منطق الدويلات مشيرا الى انه على البعض ان يفهم ان هذا المنطق ولى وما كان متاحاً قبل وصول العماد عون الى الرئاسة ليس كما بعده".

وشكل هذا الكلام دليلا على أن ما سبق القمة من خلافات له انعكاسات على أطراف المشكلة بعد انتهاء القمة.

ورأى صحناوي أن القمة "نجحت وحضرها ممثلون عن كل الدول العربية باستثناء سورية وليبيا وهذا بحد ذاته انتصار على رغم أن كثيرين حاولوا افشالها". وأمل تشكيل حكومة سريعاً معتبرا ان "موقف الرئيس المكلف سعد الحريري و(الأمين العام ل"حزب الله") السيد حسن نصرالله واضح بالنسبة الى تقاسم الحصص في الحكومة ولكن هناك فريق أو تحالف يناسبه الوضع السابق وعندما تحين اللحظة سيكون هناك كلام آخر".

وأعلن الناطق الرسمي باسم القمة العربية التنموية مدير الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، أن القرار الذي أعلن عنه في الدوحة بأنها ستستثمر في سندات الخزينة اللبنانية بقيمة نصف بليون دولار، "كان محور بحث خلال اللقاءات التي عقدها الرئيس عون مع أمير قطر من جهة، وبين الوزير باسيل مع عدد من الوزراء القطريين من جهة ثانية".

أضاف: "أتت هذه المبادرة من دولة قطر لتترجم العلاقة المتينة بين البلدين، ولتؤكد نظرة قطر إلى لبنان ودوره وأهمية مساعدته في مسيرة النهوض الاقتصادي التي يؤمل أن تنطلق بزخم أكثر بعد تشكيل الحكومة العتيدة". وقال إنها "خطوة مشكورة، تدل على الثقة بلبنان. فعندما تشتري دولة عربية سندات لبنانية، فهذا دليل ثقة بالدولة ككل وبمسؤوليها ونظامها المصرفي والمالي".

ورأى شلالا "ان لبنان نجح في أن يحصل من القمة على استصدار بيان خاص مستقل عن إعلان بيروت لتأكيد أهميته، حول أزمة النازحين واللاجئين". وشدد على أهمية مناشدة الدول المانحة أن تقوم بدورها بتحمل أعباء أزمة النازحين واللاجئين، والتحديات الإنمائية من خلال تنفيذها تعهداتها المالية، والعمل على تقديم التمويل المنشود للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين واللاجئين، ودعم البنى التحتية فيها. ويبقى الأهم في هذه الفقرة، لجهة ما ورد فيها للمرة الأولى في قمة عربية، حيث انه، وبناء على إصرار لبنان، تم طلب تقديم المساعدات للنازحين واللاجئين الموجودين في سوريا لإبقائهم في بلدهم أولا، ولتشجيع الذين هم خارجه على العودة إليه، لا سيما إلى المناطق الآمنة فيه".