&عماد العباد

&في قاعة ضخمة تضم آلاف الأشخاص المتعطشين للمعرفة الروحية، وتضج رؤوسهم بأسئلة وجودية كبرى، يقف داعية إسلامي شهير بأسلوب خطابة استعراضي، يناظر غير المسلمين، ويرمي أديانهم بالتناقض، ينبهر الجمهور بأسلوبه، وقوة حجته، وقدرته المذهلة على الحفظ، ثم يدخل جزء منهم في الإسلام أفواجا، ينتهي الحفل، ويغادر الداعية ويترك المسلمين الجدد لأقدارهم.

هذا الأسلوب في الدعوة، لا يختلف كثيرا عن تلك الفيديوهات التي تملأ "يوتيوب"، وتحمل عنوان "شخص يدخل الإسلام في ثلاث دقائق".

ما يغيب عن هؤلاء الدعاة، ومن يحتفي بما يقومون به، هو أن إدخال شخص إلى الإسلام ليس إنجازا في حد ذاته، وإن كانوا يجادلون بأن مجرد ذكره الشهادتين يقيه دخول النار، حسنا هذه مكاسبه الشخصية، لكن ماذا عن الصورة الكبيرة؟ ما تأثيره في الإسلام وسمعته؟

مجرد إدخال إنسان إلى الإسلام ثم التخلي عنه وهو في بداية الطريق، يشكل خطرا كبيرا عليه وعلى الدين وربما على الآخرين؛ إذ إن ذلك يترك لديه فراغا قابلا لأن يملأ بكل التأويلات حتى المتطرف، والشاذ، والضال منها.

كثير من الدعاة - مع الأسف - ينطلقون من مبدأ أقرب إلى الأنانية؛ إذ يرون في كل شخص يدخل إلى الإسلام مصدرا جديدا لـ"مدخولهم" من الحسنات، باعتبارهم هم من دلوه على الدين، وهو منطلق مادي بكل وضوح، في حين أن المفترض أن يتخلص هؤلاء الدعاة من هوس الحصول على أكبر قدر من المسلمين الجدد، وأن يكون تركيزهم على كل شخص كمشروع يجب أن تكتمل أركان دينه، وأن يستوعب الأبعاد السامية لهذا الدين، أن يعرف عظم ذنب الفساد والغش والكذب وسفك الدماء، وأن يتحلى بالأخلاق الرفيعة كالصدق وحسن الخلق والتسامح ونبذ الكراهية والتعصب التي هي من صميم الدين.

الأسلوب التقليدي في التعامل مع الدعوة من منطلق مادي هو ما ولد لدينا مجتمعات ضخمة من المسلمين تغلب عليها صفات الكذب والخيانة والغش، وهو ما جعل كثيرا من الدول الإسلامية تراوح في مرحلة التخلف والرجعية بسبب الفساد والجهل.

وأخيرا، مجرد دخول الناس الإسلام ليس هدفا في حد ذاته، الإنجاز الحقيقي هو التعامل مع كل مسلم جديد كمشروع يحتم على الداعية كثيرا من العمل ليصنع منه عضوا صالحا في هذا المجتمع، نحن في حاجة إلى مسلمين فاعلين أمينين صادقين متسامحين، ولسنا في حاجة إلى سقيط المجتمعات الأخرى من الكذابين والمحتالين وسافكي الدماء.