&ميشال أبونجم

تنص المادة 113، الفقرة 13، من القانون الجنائي الفرنسي، على الآتي: «تطبق أحكام القانون الجنائي الفرنسي على الجرائم والجنح التي توصف بأنها إرهابية، التي يرتكبها في الخارج مواطن فرنسي، أو أي شخص يقيم عادة على الأراضي الفرنسية».
هذه المادة عادت إلى الواجهة بقوة مع اشتداد الجدل الخاص بإعادة «الجهاديين» الفرنسيين، أو الذين كانوا مقيمين على الأراضي الفرنسية، من المناطق الكردية التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب»، وذلك عقب قرار الرئيس الأميركي سحب الـ2000 رجل من شمال وشمال شرقي سوريا. ومع اقتراب السيطرة على آخر معاقل «داعش» في قرية الباغوز، تشتد الضغوط الكردية والأميركية على الحكومات المعنية، لحملها على استعادة وترحيل مواطنيها.
وما يزيد المسألة فداحة أن أعداد المتطرفين إلى تزايد، بفعل المعارك الأخيرة، ولجوء الداعشيين بالعشرات لتسليم أنفسهم، وبينهم كثيرون من المقاتلين الأجانب، إلى القوات الكردية. ويحتل الفرنسيون والمقيمون على الأراضي الفرنسية على الأرجح المرتبة الأولى من بين الغربيين كافة، مما يضع حكومة الرئيس ماكرون في مواجهة مشكلة، إما أنها عصية على الحل أو أن كل الحلول المطروحة يمكن أن تكون سيئة.


وتفيد الأرقام المتداولة أن ما بين 140 و150 فرنسياً من بين المعتقلين لدى القوات الكردية غالبيتهم من القاصرين والنساء، ولا يزيد عدد الرجال البالغين «حتى الآن» على العشرين. وخلال الأشهر والأسابيع المنقضية، تزايدت العرائض المرفوعة إلى الحكومة لمطالبتها بأن تعمد إلى استعادة القاصرين وأمهاتهم، ورفعت طلبات إلى المحاكم، وتشكلت لجنة من الأهالي لممارسة الضغوط على السلطات الرسمية. بيد أن عودة «الجهاديين» وعائلاتهم تواجه برفض من أهالي ضحايا الإرهاب الذي ضرب فرنسا منذ عام 2012 مع محمد مراح، خصوصاً منذ بداية عام 2015 الذي شهد أكبر العمليات الإرهابية المتنقلة في فرنسا. وآخر ما عرفته هذه البلاد هو العملية الإرهابية التي ضربت مدينة ستراسبوغ عشية عيد الميلاد الماضي. ولذا، فإن عودة المتطرفين تلقى مقاومة عنيفة، رفع رايتها كذلك اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف، وأحياناً تتخطى الحواجز الحزبية.
ولم تكن الحكومة الفرنسية بعيدة عن هذا التصور الرافض لعودة المتطرفين. ورؤيتها للمعضلة أنه يتعين محاكمتهم، حيث ارتكبوا أعمالهم الجرمية في العراق وسوريا. لكن صورة الوضع تعدلت مع إعلان قرب الانسحاب الأميركي، والخوف من عملية عسكرية تركية في المناطق الكردية، من شأنها أن تفضي إلى تشتت هؤلاء وتبخرهم في الطبيعة.


ومجموع هذه العوامل وضعت الحكومة الفرنسية في موقف حرج، ودفعها لأن تعيد النظر في موقفها المبدئي الذي كان يتسم بالهشاشة. فمحاكمة المعتقلين في العراق لا تواجه أي إشكالية قانونية. أما المعتقلون لدى «قسد»، فإن محاكتهم هناك لا أساس قانونياً لها، لأن منطقة الأكراد لا تتمتع بوجود قانوني، وبالتالي فلا اعتراف بما يمكن أن يصدر عن محاكم يمكن أن تشكلها. بيد أن الصعوبات التي تواجهها باريس تذهب أبعد من ذلك بسبب «نوعية» الأشخاص الموجودين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، أو أولئك الذين يمكن أن يقبض عليهم في المعارك الأخيرة، إذ بينهم من هم مسؤولون عن عمليات إرهابية جرت على الأراضي الفرنسية، أو شغلوا مواقع مهمة عسكرية أو إعلامية في تنظيم داعش.


وتفيد المعلومات التي حصلت عليها صحيفة «لو فيغارو»، وجاءت في عددها ليوم أمس، بأن قرار الحكومة يكمن في قبول استعادة القاصرين والنساء بالدرجة الأولى، بينما وضع الرجال ما زال قيد البحث، وليس من المستبعد أن يتم ترحيلهم «أو على الأقل جزء منهم» إلى العراق، ليحاكموا هناك عوض إعادتهم إلى فرنسا. وبحسب الصحيفة، فإن طائرات عسكرية أميركية ستتولى عملية النقل إلى قاعدة فيلاكوبيه العسكرية، الواقعة جنوب غربي باريس، وستتم هذه العملية أواخر الشهر المقبل، بسبب ما تتطلبه من تحضيرات لوجيستية وقانونية. ومن المفترض أن يحصل العراق على أسلحة حديثة وعتاد، مقابل تجاوبه مع الطلب الفرنسي، أو من جهات أخرى. لكن عملية نقل متطرفين إلى العراق تطرح إشكالية أخرى على السلطات الفرنسية؛ ذلك أن القضاء العراقي يميل إلى إنزال عقوبة الإعدام بحق «الجهاديين». وحتى الآن، تم النطق بهذا الحكم بحق 300 شخص على الأقل. والحال أن فرنسا ألغت حكم الإعدام، وهي تطالب جميع الدول التي ما زالت هذه العقوبة سارية لديها بالتخلي عنها. والعام الماضي، تدخلت باريس لدى بغداد لتعديل حكم بالإعدام صدر بحق امرأة فرنسية متهمة بانتمائها إلى «داعش». وثمة 3 نساء فرنسيات حكم عليهن في العراق بالحبس المؤبد الذي يساوي عملياً 20 عاماً من السجن. والمفارقة أن باريس، التي كانت راغبة في أن يتم القضاء على متطرفيها في ميادين المعركة، ستكون «مضطرة» للتدخل لدى المحاكم العراقية حتى لا يحكم عليهم بالإعدام.