فهد الدغيثر&

لا شك في أن كل ما يدور داخل المملكة العربية السعودية، سواء أنظمتها أم مشاريعها التنموية وبرامجها الترفيهية ورياضاتها، أصبح يخضع لتقييم العالم وانتقاده. في جانب أرى ذلك مفيداً لنا، وخصوصاً عندما يأتي النقد محفزاً لنا للبحث عن الأفضل، وفي جوانب أخرى عدة قد يكون النقد مغرضاً وتافهاً، وهنا لا يجب أن يعير له أحد انتباهاً.


آخر ما سمعته، قبل يومين، هو النقد الموجه لتطبيق «أبشر»، وهو التطبيق، الذي صممته وزارة الداخلية السعودية، ويعتبر الأكثر تقدماً وراحة في حياة الأفراد والمقيمين في المملكة، وتتيح شركة «أبل» تحميله. هذا النظام أتاح لنا في السعودية سهولة استخراج رخص القيادة، وتجديد رخص العربات، والحصول على تأشيرات العمالة، وربط كل ذلك بمنظومة متكاملة من الإجراءات الآلية الرائعة، فلا تجديد لرخصة العربة من دون وجود بوليصة تأمين على العربة نفسها سارية المفعول، ولا تجديد لرخصة القيادة من دون دفع غرامات المخالفات المرورية، ولا رخصة إقامة لأجنبي من دون كشف طبي للعامل.. وهكذا.

الانتقاد الذي قرأت عنه وأتى من ران وايدن، وهو أحد الأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، هو مطالبة شركة «أبل» بإلغاء توزيع التطبيق، وتبع ذلك تصريح رئيس «أبل» بمراجعته بسبب احتواء التطبيق على ضرورة إجازة الرجل لسفر المرأة للخارج. الجدير بالذكر أن هذا الموضوع، «الولاية»، ليس جديداً في الداخل السعودي، ويعتبر من أهم المواضيع، التي يتم طرحها ومنذ سنوات عدة وليس اليوم. يدور النقد حول موضوع الولاية على القصر والنساء. بسبب نظام الولاية هذا وهو قديم بقدم تأسيس الوزارة نفسها، تم إضافة هذه الخاصية في التطبيق ليتيح لرب الأسرة الرجل رصد تحركات القصر والمرأة عند الحاجة لسفرهم خارج البلاد فضلاً عن السماح لهم أو عدمه. في المملكة لا تستطيع المرأة حتى الآن، ومهما بلغ سنها، ولا الفتى دون الـ21 عاماً، السفر للخارج من دون حصولهم على تصريح بذلك من الرجل أو ما نسميه «ولي الأمر». في أحيان كثيرة وفي حالة الأرامل من النساء فقد تتحول ولاية الأمر إلى طفل فقط لكونه ذكر.

لست مع ابتزاز الجهات الأجنبية بكل تأكيد، غير أن هذا الموضوع بات مؤرقاً في الداخل، وأرى وغيري الكثيرون أن الأوان قد آن لإلغائه، كما حدث في إلغاء الرق قبل ذلك بنصف قرن، بل فعلنا ذلك أخيراً مع العادة التي كانت سارية المفعول إلى وقت قريب، وهي احتفاظ رب العمل بجواز العامل الأجنبي ككفيل له كامل السيطرة، وها نحن اليوم نضع قانوناً يمنع أي رب عمل بالاحتفاظ بجوازات عامليه والتحكم بمصيرهم. موضوع الولاية ربما يبدو مختلفاً عن ذلك، لكن المصلحة العامة والمشاركة الحقيقية للمرأة في البناء والتنمية والتي أصبحت مفخرة لكل مواطن سعودي هي الحاكم في نهاية المطاف.

مثل هذه المواضيع وغيرها كبرامج الترفيه الجريئة وغير المعتادة في المملكة والتي أصبح بعضها يثير الجدل نوعاً ما في الداخل السعودي، لم تكن كذلك لو أن السعودية لم تدخل في سباتها العميق في العقود الأربعة الماضية. أتحدث عن عقود سيطرة ما يعرف بـ«الصحوة الإسلامية» على عقول المواطنين وبروز قلة قليلة ممن كنا نسميهم بالمشايخ وما هم كما اتضح اليوم، إلا أفراد حركيون ولاءاتهم لبعض الأحزاب الأجنبية وليس للوطن ولا مستقبله، لاعتلاء المنابر والتهويل من أي تحرك للأمام. لو أن المملكة استطاعت المضي للأمام ولم تتوقف في نهاية السبعينات الميلادية من القرن الماضي لأمكننا تجاوز كل ما قد نراه اليوم بحاجة إلى جراحات وصدمات. شخصياً متأكد بأن ما نواجهه اليوم من ذلك «التراث» المتراكم سيزول قريباً كونه هو التعديل الصحيح العاقل الذي كان يفترض تجاوزه في وقت لا يتعدى منتصف التسعينات الماضية.

من حسن حظ السعودية والسعوديين أن التفاؤل في عهد الملك سلمان وولي عهده أصبح هو ما يميز هذه المرحلة. كما اعتاد أي مراقب فلدى هذه الحكومة قدرة هائلة على التغيير لم تكن تخطر على بال أكثر المتفائلين. ليس ذلك فقط، بل إن هذا التغيير مقترناً بالمرونة الكافية للتعديل أو الإلغاء من دون تردد متى ما دعت الضرورة واستبدال أي نظام أو فقرة منه بأخرى وهذا منتهى ما يتطلع إليه أي شعب في أي دولة حول العالم.

&