& سلطان محمد النعيمي

«الثورة تستأذن الدولة» يتساءل القارئ الكريم عن دلالات هذه الجملة، والتي ستُكشف أبعادها خلال السطور القادمة. أطل علينا قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد جعفري بتصريحات مُهددة لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في إثر التفجير الذي تعرضت له حافلة تقل عددا من عناصر «الحرس الثوري» أدى إلى مقتل وجرح العشرات.


«جيش العدل» الذي ينطلق بعملياته من محافظة «سيستان» و«بلوشستان» ضد النظام الإيراني وقوى «الحرس الثوري» أعلن مسؤوليته عن تلك العملية والعديد من العمليات السابقة. والغريب أنه لم يكد يخمد الدخان المتصاعد من تلك الحافلة نتيجة ذلك التفجير، حتى انطلقت التصريحات المغرضة من قبل مسؤولي النظام الإيراني موجهة، وبطريقة عبثية، أصابع الاتهام ضد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
يختتم تلك التصريحات قائدُ «الحرس الثوري» بالقول: «إن نظام الجمهورية الإسلامية سيقوم بالتأكيد باتخاذ إجراءات انتقامية إزاء المؤامرات المدعومة من قبل الدول الرجعية بالمنطقة.. وبأوامر من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني». يعود جعفري من جديد ليختتم التهديدات بالقيام بإجراءات مغايرة عن سابقها تجاه السعودية والإمارات.
يسير هذا الاتهام متماشياً مع ما قاله المستشار العسكري للمرشد الإيراني زاعماً بأن من قاموا بتنفيذ تلك العملية تلقوا التمويل من السعودية والإمارات، وتلقوا التدريب لدى الاستخبارات الباكستانية، وكأنه بذلك يزيد التشويش على الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان، فطهران تخشى تنامي العلاقات بين الرياض وإسلام آباد. وهو أيضاً يعلم أن الإمارات والسعودية مدركتان للتدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة من أجل زعزعة استقرارها وبث الفتنة داخل دولها.
يتساءل القارئ الكريم عن مدى جدية مثل هذه التصريحات وأبعادها الجديدة. والحقيقة أنها ليست إلا إفصاحا عن واقع مشهود وخطوات من قبل النظام الإيراني، دأب عليها منذ عام 1979م وحتى اليوم، تضمنت ممارسات عديدة ما بين تفجيرات واغتيالات إلى عمليات تجسس، ناهيك عن تدريب وتسليح المليشيات المدعومة من النظام الإيراني.


وبالتالي فإن الجديد في هذه التهديدات يتمثل في إعادة تأكيد للنمط الثوري الذي يتخذه النظام الإيراني في تعامله مع دول الخليج والمنطقة مع الإعلان أيضاً عن تطور في تلك الإجراءات المزعزعة للاستقرار. وعطفاً على ذلك فإن مثل هذه التصريحات والتهديدات، ووفقاً لشواهد سابقة تُأخذ على محمل الجد، وتساهم بالفعل في إبراز نهج وسلوك النظام الإيراني الذي يدعي خلاف ذلك.
لا يعني أخذ تلك التصريحات بمحمل الجد دخول نمط جديد في عمل الأجهزة ذات الاختصاص في كل من السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، فنمط النظام الإيراني وتهديده جعل من تلك الأجهزة على استعداد ويقظة مستمريْن في مواجهة تلك التهديدات.
وماذا على المستوى الدبلوماسي؟ سؤال آخر يطرحه القارئ. لاشك أن للجهاز الدبلوماسي قراءاته في مثل هذا الشأن، ويأتي دور كاتب هذه السطور ليلقي الضوء على النمط المنهجي للنظام الإيراني في مثل هذه الحالات.


فبمجرد وقوع نوع من العمليات الإرهابية في إحدى دول الخليج وبعد ما تنكشف الحقائق ويتأكد وقوف النظام الإيراني وراءها وبالتالي توجيه الاتهام له، تنطلق الماكينة الدبلوماسية للنظام الإيراني، وفي واجهتها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ليفند تلك الاتهامات على الرغم من إدراك النظام الإيراني قبل غيره ضلوعه فيها، بل ويسخر من تلك التصريحات، ويطالب حكومة هذه الدولة أو تلك بالالتفاف للمشاكل الداخلية المسببة لذلك، أملاً في أن تلقى تلك التصريحات صداها في الداخل الإيراني والمنطقة والعالم، لكنها تظل محاولات عبثية لتبرئة ساحة النظام الإيراني.
«الثورة تستأذن الدولة»..نعود للقارئ الكريم لنكشف له ما وراء هذه الجملة، والتي في حقيقتها قد جاءت على لسان قائد «الحرس الثوري» الإيراني محمد جعفري، الذي طلب الإذن من رئيس الجمهورية الإيرانية بتنفيذ خطوات انتقامية خارج حدود إيران.
المضحك في ذلك الاستئذان أن روحاني حاله حال «جعفري»، يُدرك أن «الحرس الثوري» وذراعه الخارجية «فيلق القدس»، يتلقى أوامره مباشرة من المرشد الإيراني متجاوزاً بذلك رئيس الجمهورية، وهو ما يؤكد أن النظام الإيراني وعلى الدوام، ذو نهج ثوري مضاد لفكرة الدولة المنضبطة، وبخاصة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع دول الخليج، وبالتالي استمرار التهديد وتصاعده. وهذا النظام لم يغادر إلى الآن لحظة الثورة ولا يلتزم بقانون دولي، ولا يُقر أسساً لعلاقات طبيعية في محيطه الإقليمي أو حتى على الصعيد الدولي.

&

&