محمد الوعيل

&مخطئ من يظن أن جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الآسيوية الحالية، مجرد بروتوكول دبلوماسي أو سياسي معتاد كما هو معتاد في العلاقات الدولية، النظر إلى توقيتها ودولها «باكستان، والهند، والصين» يحمل دلالات وأبعاداً غاية في الأهمية، تؤسس للدور السعودي المحوري ليس في القارة الأم.. آسيا، ولكنها تنعكس على مجمل الاستراتيجيات السعودية المتوازنة والمتعددة غرباً وشرقاً أو شمالاً وجنوباً.. وبالتالي فإننا أمام تحرك دبلوماسي يقوده قائد شاب، يرسخ لرؤى قيادة متزنة ومتوازنة.

من باكستان التي تمثل عمقاً «إسلامياً» استراتيجياً، كانت ضربة البداية التي تعكس تناغماً مثيراً للفضول، وبناء قواعد مشتركة جادة وفعالة لتعميق الأصول، تجلت ليس في هذا الاستقبال المميز &فقط، بل امتدت لتجذر مستوى العلاقات وتميزها بالعديد من الاتفاقيات، ومذكرات التفاهم ذات الصلة بالقطاعات المختلفة، بما في ذلك الاستثمار والتمويل والطاقة والطاقة المتجدّدة والأمن الداخلي والإعلام والثقافة والرياضة وغيرها. وكذا الأمر مرتقب في الهند والصين «على التوالي» باعتبارهما دولتين محوريتين قارياً وعالمياً بما يمثلانه من ثقل بشري هائل، وكذلك محورا ارتكاز اقتصادي لا يستهان به.

زيارة الأمير محمد بن سلمان للهند، هي الأولى له، أما زيارته للصين فهي الثانية في غضون أقل من ثلاث سنوات، في نيودلهي يفتح الباب لآفاق متجددة وواسعة، وفي بكين يرسخ جذور علاقات وأطراً ممتدة، وهنا قيمة جولة سمو ولي العهد ورمزيتها الشديدة.. بناء شراكات جديدة بالتوازي مع تعميق الشراكات القائمة أصلاً مع العواصم المحورية في العالم، إضافة إلى أن تنوع هذه الشراكات وتعددها يعطي زخماً كبيراً لمسيرة الدبلوماسية السعودية عبر تاريخها الطويل، في إطار من توازن العلاقات، واعتمادها على المصالح المتبادلة بما يحقق مصلحة جميع الشعوب.

قراءة المشهد ببساطة، تعطينا دلالة على أن تحركاتنا السعودية وبمثل هذا المستوى الرفيع تؤسس لرؤية أخرى بعيدة المدى تستقرئ مكامن الجغرافيا والتاريخ، وتستنهض كل ما هو مشترك عبر اتجاهات عدة، بعيداً عما هو معروف في العلاقات الدولية من سياسة محاور ضيقة الرؤية وقصيرة النظرة، وهو ما يضفي مزيداً من الثقة والطموح من جهة، ثم ما يسمح ببناء أسس بعيدة المدى تستهدف التحلق حول المصلحة الوطنية من جهة أخرى، وربما كان هذا أحد أبرز أطر الرؤية السعودية الجديدة واستراتيجياتها للمستقبل، والتركيز على البعد الاقتصادي باعتباره شريان حياة للشعوب، وكذلك البحث عما يدشن سبل وأواصر الأمن والاستقرار داخلياً وخارجياً.

إننا أمام دور سعودي يتعاظم يوماً بعد يوم، يؤسسه ملك حكيم ويرسمه شاب جريء ومنفتح.