&فاتح عبد السلام

ضاعت‭ ‬المفاصل‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬العراق‭&&‬زمناً‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬توافه‭ ‬الامور‭ ‬السياسية‭ ‬والشخصية‭ ‬والبيع‭ ‬الشراء‭ ‬بالولاءات‭ ‬وما‭ ‬تجره‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬وحقائب‭ ‬وحصص‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬تهالك‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬رمقها‭ ‬الاخير‭ ‬الممسوك‭ ‬بالثنائي‭ ‬الاقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬الراقص‭ ‬على‭ ‬آلام‭ ‬العراقيين‭ ‬ونزفهم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ .‬

وتركت‭ ‬تلك‭ ‬المفاصل‭ ‬المحتمية‭ ‬بالعناوين‭ ‬الدستورية‭ ‬المدنَ‭ ‬التي‭ ‬بالكاد‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬حقبة‭ ‬الارهاب‭ ‬،‭ ‬لتواجه‭ ‬مصيرها‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دولة‭ ‬حقيقية‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬أرادوها‭ ‬شرعية‭ ‬ومقدسة‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واجهات‭ ‬فساد‭ ‬،‭ ‬امتصت‭ ‬مابقي‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬الفقراء‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬،التي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬ابنائها‭ ‬لاسيما‭ ‬النساء‭ ‬والاطفال‭ ‬تحت‭ ‬الانقاض‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ .‬

جميعهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القيادات‭ ‬العليا‭ ‬يعرفون‭ ‬مستويات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬حدوداً‭ ‬لا‭ ‬يتصوّرها‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬،‭ ‬فساد‭ ‬تحت‭ ‬عيون‭ ‬رعاته‭ ‬وبأيدهم‭ ‬القابضة‭ ‬بمفاتيحه‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬المصالح‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المقدسات‭ ‬السماوية‭ ‬والقيم‭ ‬الانسانية‭ ‬باسم‭ ‬ما‭ ‬صنعوه‭ ‬من‭ ‬مقدسات‭ ‬مختلقة‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬فسادهم‭ ‬وخزيهم‭ ‬ورعونتهم‭ .‬

ما‭ ‬قاله‭ ‬المتظاهرون‭ ‬المحتجون‭ ‬من‭ ‬اهالي‭ ‬الموصل‭ ‬في‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬زيارة‭ ‬لمسؤول‭&&‬تعمق‭ ‬جراحهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قرارات‭ ‬دولة‭ ‬مسؤولة‭ ‬في‭ ‬تطهير‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬واحالة‭ ‬الفاسدين‭ ‬الى‭ ‬محاكم‭ ‬عادلة‭ ‬والاتيان‭ ‬بقيادات‭ ‬ادارية‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬نينوى‭ ‬وليس‭ ‬الدخلاء‭ ‬المسيسين‭ .‬

المدن‭ ‬المنكوبة‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أحزاباً‭ ‬ومليشيات‭ ‬وصراعات‭ ‬نواب‭ ‬ووكلاء‭ ‬محليين‭ ‬لأقطاب‭ ‬فساد‭ ‬أكبر‭ ‬تتستر‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬وإنّما‭ ‬تريد‭ ‬ادارة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬معاناتها‭ ‬ومخولة‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الأمنية‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬واموالهم‭ ‬،‭ ‬وتطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬،‭ ‬وتسهيل‭ ‬عمليات‭ ‬اعادة‭ ‬الاعمار،‭ ‬ذلك‭ ‬الملف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬توله‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬برمتها‭ ‬الاهتمام‭ ‬الحقيقي‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬اعادة‭ ‬بناء‭ ‬ثاني‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬وليست‭ ‬قرية‭ ‬نائية‭ ‬لا‭ ‬تخطر‭ ‬ببال‭ ‬أحد‭ .‬

كلّ‭ ‬الاصوات‭ ‬كانت‭ ‬تصرخ‭ ‬قبل‭ ‬فجيعة‭ ‬غرق‭ ‬العبّارة‭ ‬وخلالها‭ ‬وبعدها‭ ‬معلنةً‭ ‬أنّ‭ ‬الموصل‭ ‬تخطفها‭ ‬يد‭ ‬آمثة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬بشاعة‭ ‬عن‭ ‬يد‭ ‬الارهاب‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬يد‭ ‬الفساد‭ ‬الاخطبوطية‭ ‬،لكن‭ ‬أحداً‭ ‬لم‭ ‬يستجب‭ ‬لمطلب‭ ‬واحد‭. ‬أهالي‭ ‬الموصل‭ ‬يعون‭ ‬أنّ‭ ‬مطالبتهم‭ ‬بإلغاء‭ ‬النقاط‭ ‬الكمركية‭ ‬الوهمية‭ ‬المزدوجة‭ ‬التي‭ ‬عانوا‭ ‬من‭ ‬جرائها‭ ‬في‭ ‬غلاء‭ ‬الاسعار‭ ‬وخنقهم‭ ‬معيشياً‭ ‬،‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬ستلغى‭ ‬تلبية‭ ‬لنداء‭ ‬الناس‭ ‬،‭ ‬لولا‭ ‬الاتفاقات‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحكومة‭ ‬الاقليم‭ ‬وبضغط‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬التي‭ ‬تضررت‭ ‬عملية‭ ‬تصريف‭ ‬بضائعها‭ ‬أمام‭ ‬بضائع‭ ‬المناشيء‭ ‬الأخرى‭ .‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬منطقة‭ ‬وسطى‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬الدولة‭ ‬لها‭ ‬أسس‭ ‬مراعاة‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬ومصالحهم‭&&‬وأن‭ ‬نترك‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬تتقاذفه‭ ‬موجات‭ ‬طارئة‭ ‬ومسيسة‭ ‬ومارقة‭ ‬وفاسدة‭ .‬

فاجعة‭ ‬الموصل‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬بعد،‭ ‬وعلامات‭ ‬التدهور‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬عدم‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الكبيرة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬الجسور‭ ‬المرقعة‭ ‬مؤقتاً‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مرور‭ ‬الشاحنات‭ ‬الضخمة‭ ‬والحمولات‭ ‬الزائدة‭ ‬،‭ ‬وانّها‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬التهديد‭ .‬

لا‭ ‬معنى‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الخلايا‭ ‬النائمة‭ ‬للارهاب‭ ‬،‭ ‬ثمّ‭ ‬السكوت‭ ‬على‭ ‬الخلايا‭ ‬الكامنة‭ ‬للفساد‭ ‬التي‭ ‬يغذيها‭ ‬السياسيون‭ .‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬ثانية‭&&‬في‭ ‬بغداد‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬انقاذ‭ ‬للناس‭ ‬التي‭ ‬سحقتها‭ ‬الآلات‭ ‬السياسية‭ ‬الفاسدة‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يتوهّم‭ ‬أحدهم‭ ‬أنّ‭ ‬الموصل‭ ‬أو‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬كبت‭ ‬تحت‭ ‬هجمة‭ ‬الارهاب‭ ‬،‭ ‬لن‭ ‬تقول‭ ‬كلمتها‭ ‬ضد‭ ‬أية‭ ‬إدارة‭ ‬فاسدة‭ ‬،‭ ‬لأنها‭ ‬تعي‭ ‬أنّ‭ ‬الفساد‭ ‬السابق‭ ‬جاء‭ ‬بالارهاب‭ ‬اليها‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬،‭ ‬وانّ‭ ‬الفساد‭ ‬الحالي‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الاحتمالات‭ . ‬ولكم‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬الخيار‭ .‬

&