&هشام النجار&&

استدعى الإرهابى منفذ جريمة مسجدى كرايست تشيرش بنيوزيلندا تاريخ المعارك التى هزمت فيها أوروبا السلطنة العثمانية، فى دلالة جديدة على أن ممارسات أردوغان فى عمق أوروبا أيقظت الثارات الدينية والعنصرية. البداية عندما توهم بعض الساسة والباحثين الغربيين أن أردوغان يمكنه جعل تركيا جسر تواصل بين الشرق والغرب، وأنه بغض الطرف عن ممارساته فى الداخل العربى سيفرض الاستقرار فى الشرق الأوسط وسيحجب التطرف والإرهاب عن الغرب لهيمنته على جماعة الإخوان، ولأن كثيرًا من الغربيين لا يعرفون من هو أردوغان ولا طبيعة أهداف وأساليب جماعة الإخوان، فالمحصلة الآن هى ما يجرى على الأرض؛ فالسلطان العثمانى الجديد يهدد أوروبا باللاجئين والإرهابيين وبالحضور الإخوانى المكثف وغذى الكراهية ضد أوروبا، واستدعى صراعات الماضى الحربية، ما أوصل عناصر اليمين المتطرف بأوروبا لحمل السلاح وتوجيهه للأبرياء من المسلمين بالمساجد، فسقطوا ضحية هوس تسييس الدين واستغلال بعض المغامرين للحضور الإسلامى بالغرب لتحقيق مكاسب سياسية متعلقة بمصالح جماعات وأشخاص، لا مصالح شعوب ومجتمعات ودول.

&رفض الغربيون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى وسقط مشروع الإسلام السياسى بالمنطقة العربية، فلم يجد أردوغان للخروج من ورطته إلا إشهار سلاح الدين فى وجه أوروبا بغرض الضغط لمنحه شيئًا يسند به زعامته المنهارة شرقًا وغربًا، ولما لم تجد التهديدات نفعًا تحول إلى تصفية الحسابات مع أوروبا بشكل عملى، خاصة بعد أن وجه الاتهام لدولها بالمشاركة فى المحاولة الانقلابية المزعومة فى عام 2016م وتقديم الدعم لجماعة جولن، وطوال السنوات الماضية وتحت عناوين خطاب لا يرى أن العالم قد تجاوز مرحلة الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية والصراعات الوجودية رعى أردوغان تدفق الإرهابيين إلى دول أوروبا باعتراف رؤساء دول وأجهزة مخابرات وشهود من داخل تلك الجماعات.

عندما نراجع محتوى خطابات أردوغان فى مناسبات مختلفة لا نستغرب أسلوب توظيفه مأساة ضحايا مجزرة المصلين بنيوزيلندا التى كان هو نفسه سببًا رئيسيًا فى وقوعها، فهو يزعم خلال تلك الخطابات الشعبوية المنتمية لماضى الصراعات والحروب أنه هو من يمثل العالم الإسلامى فى مواجهة خطر أوروبى مفترض، وروج لمؤامرة تستهدف الإسلام مصدرها أوروبا، ملوحًا بوجود سيناريو غربى يهدف للقضاء على وحدة العالم الإسلامى ومستقبل وجوده، سعيًا لحشد المسلمين وراءه دفاعًا عن الدين والهوية والمقدسات، وهو ما أنتج فى خطاباته فرزًا للعالم على طريقة تنظيم القاعدة مؤسسًا على ثنائية «دار الإسلام ودار الحرب». إذن يواجه أردوغان سيناريوهات التحول عن مشروع الإسلام السياسى بالمنطقة العربية ومحاولات القوى الدولية رسم مسارات جديدة مبنية على تطورات ما بعد ثورة يونيو 2013م وعلى نتائج الاعتماد على القوى الإقليمية غير العربية خاصة تركيا وإيران عندما زادت الأمور سوءًا وضرب الإرهاب عمق أوروبا، محاولًا إيجاد نفوذ بالشرق الأوسط عبر استعادة المد العثمانى القديم بأوروبا. حول أردوغان المساجد والمراكز الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان بأمريكا ودول أوروبا وتلك التى يديرها أئمة أتراك من دور عبادة طبيعية يقيم بها المسلمون شعائرهم كأى مواطن أوروبى، إلى أداة لتنفيذ مشروع الخلافة الأممى، بوصفها ساحات للقيام بالجهاد الكبير بالقضاء على الحضارة الغربية وتدميرها من الداخل، بحسب ما هو منشور بالوثائق والأدبيات الإخوانية.

يتطلب تنفيذ مشروع أردوغان والإخوان الثأرى إخراج المسلمين فى أوروبا من سياق الاندماج المجتمعى ومن حالة المواطنة تحت سقف التعايش الحضارى والثقافى والقيام بالمسئولية الوطنية واحترام مصالح دولهم والحفاظ على أمنها، إلى حيز رفض المحيط المجتمعى والتمرد على القوانين بحجة عدم توافقها مع الشريعة والانعزال عن مكونات المجتمع الأخرى، وهو ما يقود لمطالبات تأسيس نظم تعليمية واجتماعية وثقافية وقضائية خاصة بالمسلمين، وبطبيعة الحال ستكون جماعة الإخوان ومن ورائها أردوغان هى المشرفة والمهيمنة عليها لتخطو خطوة فى تأسيس دولتها الموازية.

يهدف نشر التطرف فى المساجد والمراكز الإسلامية التى تسيطر عليها جماعة الإخوان وأئمة أتراك بأوروبا لتنشئة جيل يحمل راية الجهاد دفاعًا عن تلك الدولة الافتراضية التى يُراد لها مستقبلًا أن تتحول إلى واقع ملموس، ومن هنا تم تهديد أمن ومصالح غالبية المسلمين الذين يقيمون بالغرب نتيجة ممارسات وخطابات مغامرين مهووسين بالزعامة يزعمون أنهم بصدد القيام بمهمة مقدسة مؤداها تحويل المجتمعات الغربية الكافرة والمنحرفة إلى الإسلام. جريمة نيوزيلندا الإرهابية وغيرها ليست سوى ردة فعل من قبل المجموعات اليمينية المتطرفة على صعود يمين إسلامى متطرف يكفر الغرب ويوظف الدين وأحداث التاريخ للتغطية على نشاطاته، ولن يتوقف عنف اليمين العنصرى ما دامت هناك جماعة كالإخوان صحبة زعيمها التركى تخطط لأسلمة أوروبا، ولا يدفع ثمن هذا التطرف والعنف الدينى والعنصرى المتبادل سوى الأبرياء من كل الأديان الذين يبرؤون من ممارسات وجرائم هذا وذاك.