&أحمد الحناكي&

تحوم حولنا هذه الأيام، سفن أميركية بحرية وغواصات حربية وحاملات طائرات مقاتلة، وانتشار قوات عسكرية (أميركية) لحماية الخليج مما قد يقع، أو ترهيباً لمن يحمل في أعماقه نوايا الحرب. ورسالتنا هي: "لا للحرب"، فلا منتصر فيها.


قالت فوزية سعد، إحدى الناجيات من "مجزرة قانا" (جنوب لبنان) في 18 من نيسان (أبريل) 1996: "كان هناك رجل ملقى على الأرض وقد انشطر قطعتين، وكانت هناك امرأة حامل استطعت أن أرى ذراع جنينها ورجله ناتئين من بطنها، وكان هناك رجل غرزت شظية في رأسه. لم يكن ميتاً، ولكن كنت تستطيع أن ترى قطعة معدنية في رقبته، كما لو كان قد حز عنقه. طلب من ابنته أن تجيء وتساعده على النهوض، وسمعتها تجيبه قائلة: انتظر لحظة، أحاول أن أجمع أخي لقد انشطر قطعتين. وكان هناك شقيق آخر لها يحمل طفلاً بين ذراعيه، كان طفلاً بلا رأس".

وفي المقابل، يقول الرقيب (ي) في الجيش الصهيوني الذي قصفت بطارية مدفعيته اللاجئين في قانا، كما نقلت عنه أسبوعية "كول هاير" التابعة لسلطات الاحتلال في 10 أيار (مايو) 1996: "إنها الحرب، وفي الحرب تحصل مثل هذه الأمور، إنهم مجرد مجموعة من العرب، فما بالك متأثرا إلى هذا الحد؟!".

معلقاً على المجزرة، كتب الصحافي القدير روبرت فيسك في كتابه "ويلات وطن" يقول: "كانت تلك أبواب الجحيم تتدفق عبرها الدماء كالمجاري، كالسيول الجارفة. كنت أستطيع أن أشم الرائحة. تدفقت الدماء على أحذيتنا والتصقت بها كالصمغ، كتلة دبقة تحولت من لونها الأحمر القاني إلى لون بني، ثم أصبحت سوداء. كانت الطريق المرصوفة المؤدية إلى مجمع القوة الدولية زلقة بالدماء، وقد تناثرت عليها أشلاء من اللحم والأحشاء. وفي حطام مطعم المجمع المحترق، كانت هناك سيقان وأذرع أطفال بلا رؤوس، ورؤوس مسنين بلا أجساد. في رأس شجرة تحترق تدلت قطعتان من جسد رجل، وكانت هناك فتاة تضم رجلا تسلل الشيب إلى شعره. كانت ذراعها حول كتفه وهي تهدهد جثته بين ذراعيها جيئة وذهابا. كانت العينان تحملقان فيها وهي تعول وتنوح وتصرخ باكية: أبي أبي".

ما حدث آنذاك على أرض لبنان كان من الممكن أن يحدث للخليجيين أو للإيرانيين، ومن الممكن، بل وربما يحدث حتماً للأطراف جميعها. فالكل يملك أسلحة فتاكة لا تميز بين حربي، أو مدني، أو شبح، أو طفل، أو رجل، أو امرأة.

كل الحروب التي جرت، في التاريخ القديم أو المعاصر، لن تبرز منتصراً على رغم انتصاره، فهو، قبل أن يضرب، أو يستولي، أو يسيطر أو يحتل، يكون قد مسه من الحرب شيء، حتى لو كان أيسر من عدوه.

ركزت الأفلام الأميركية كثيراً على الجنود العائدين من فيتنام وبعدها من أفغانستان، مسلطة الأضواء على الأمراض النفسية التي أصابتهم أو تحولهم إلى شخصيات عنيفة، وبعضهم يودع المستشفيات أو يلجأ للانتحار.

مرّت المنطقة بحروب عدة من قبل، منها الأطول بين العراق وإيران في عهد صدام حسين والزعيم الإيراني الخميني، وبعدها حرب الخليج الثانية التي هدفت إلى تحرير الكويت بعد احتلالها من قبل العراق في عهد صدام أيضاً، والثالثة عندما غزا الأميركيون العراق بدعوى البحث عن أسلحة دمار شامل أو مدفع عملاق وخلافه، واتضح لاحقاً أن الأمر كان هراء في هراء، كان هدفه تحجيم العراق وإضعاف جيشه، مستغلين انقسام العراقيين تجاه زعامتهم في عهد صدام حسين أيضاً.

ولتذكير من يريد الحرب أو من يسعى إليها أو لا يحرص على تجنبها أو يكابر ويصر على التصعيد وعدم اللجوء إلى ضبط النفس، ومن المؤكد أن هذا الطرف ليس المملكة التي تعرضت لاعتداءات على ناقلاتها البحرية أو حتى ذلك الدعم للحوثيين الذين حاولوا قصف أنابيب إمدادات للنفط، أقول للتذكير: إن عدد ضحايا الحرب بين العراق وإيران بلغ ما لا يقل عن مليون شهيد من البلدين، وكلفت أكثر من 400 بليون دولار، علما أن المبلغ سيصبح فلكياً عندما نقارن الدولار الأميركي بقيمته آنذاك، في منتصف الثمانينات، ناهيك طبعاً عن أثر الحرب على أسر الضحايا وعلى البيئة وانتشار الأمراض النفسية والجسدية.

الحروب دائماً بشعة فلنتجنبها، علما أن المملكة وعلى لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير قالت: "إنها لا تريد الحرب، ولكنها لن تسكت إن بادر الطرف الآخر".