فارس بن حزام

هل نحن أمام قمة حرب في مكة؟

في الشكل، نعم. في المضمون، لا. فالقمة الإسلامية مجدوَلة سلفاً، وألحقت بها قمتان خليجية وعربية لمناقشة تهديد نظام الملالي، الحاضر في الأولى عضواً، وفي الثانية والثالثة عنواناً. تريد الرياض من القمتين أن يكتب العرب موقفاً واضحاً تجاه عبث طهران، لا مكان فيه للمترددين. هما قمتا حشد سياسي لردع إيران، وليستا إعلاناً للحرب العسكرية، فلم تكن مكة يوماً منطلقاً لذلك، بل منارة للسلام ورسالته إلى الجميع، المسلمين قبل غيرهم.

قمة مكة المرتقبة ستشبه قمة القاهرة 1990 في الشكل، وستختلف في المضمون. في تلك السنة، اجتمع العرب لمناقشة الموقف من غزو العراق للكويت، وتطور النقاش إلى طلب إرسال قوات عربية تشارك القوة الدولية في تحرير البلد المحتل، وكانت الخريطة السياسية واضحة؛ دول انحازت إلى الاحتلال، وأخرى "تذاكت" بالوقوف في المنتصف. في الشكل، تلتقي القمتان في بحث موقف جامع أمام اعتداء تعرضت له دولة عضو، وفي هذه القمة الاعتداء أصاب أعضاء كثراً. وفي المضمون، اختفى مشاغبو أمس عن قمة اليوم؛ ليبيا لن يمثلها القذافي، واليمن لن يمثله صالح، وفلسطين لن يمثلها عرفات، والسودان لن يمثله البشير، هذه أربع دول من أصل ثمان أخذت موقفاً سلبياً من احتلال الكويت وتهديد السعودية آنذاك، بل طمع بعضها بوعود زينها لهم رئيس النظام العراقي السابق. وعلى رغم تردي أوضاع كثر من الدول، فالعالم العربي اليوم أكثر انضباطاً سياسياً من تلك المرحلة. ولا شك أن القمة العربية ستشهد خلافاً، لكنه سيبقى ضمن الحدود المتوقعة. فالعراق في موقف حرج، وإيران تُطبق عليه سياسياً وأمنياً، وقطر محشورة في زاوية الإجماع العربي والتحرك الأميركي، ولبنان متحرر نسبياً بتحرر رئيس الحكومة من قيود وزير خارجيته، الغائب لأسباب جغرافية، وسورية في وضع "إيقاف خدمات"، وتبقى سلطنة عُمان، باحثة عن دورها المحبب لأي وساطة. هذه تشكيلة القمة المرتقبة، الخالية من المشاغبين.


لقد تغير العالم العربي كثيراً في ثلاثة عقود، واستفادت دوله من أخطاء الماضي. ومن انحازوا إلى احتلال الكويت ذاقوا مرارة خطوتهم، واحتاجت دولهم إلى سنوات لرأب الصدع، وإعادة المياه الدافئة مع الخليج العربي بعدما خذلوه، وحتمت مكانة المملكة عليها الصفح لمن اعترف بخطئه، ولم يقترفه مجدداً.