& علي بن سالم الكعبي

طالعتنا كبريات الصحف العالمية، قبل بضعة أيام، بخبر مفاده، أن دولة الإمارات هي الأولى عربياً في جذب الاستثمارات الأجنبية، وذلك وفق التصنيف المتبع لدى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد). وقد أسعدني الخبر وأثلج صدري، وتجدد معه يقيني بأننا على الدرب الصحيح سائرون، وبإصرار وعزيمة لا تلين ولا تعرف المستحيل نقف على قدم المساواة، وبنديّةٍ مع الكبار في عالم الاقتصاد.
وحسب المؤشرات، فإن الإمارات تقدمت خلال عام واحد ثلاث مراتب، لتحل في المرتبة الـ27 عالمياً، من حيث قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي، وبقيمة فعلية بلغت 10.4 مليار دولار أميركي، مستحوذةً بذلك على 36% من إجمالي الاستثمارات المتدفقة إلى مجموعة الدول العربية، كما حلت الإمارات

في المرتبة الثانية على مستوى منطقة غرب آسيا، مستحوذةً على نحو 33.4% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية.&
ولا شك أن هذا الإنجاز الجديد، ليس وليد المصادفة، ولم يأت من فراغ، إنما هو انعكاس للخطط والاستراتيجيات التي تبنتها الإمارات. ولعل تقرير أونكتاد يعكس حجم الثقة التي يوليها المستثمرون لمناخ الاستثمار في دولتنا، ولبيئتها الحاضنة، وللقوانين والتشريعات المعتمدة فيها، والتي توفر كل الضمانات التي يحتاجها رأس المال، وكل ما سبق من شأنه أن يرسخ المكانة الريادية، التي باتت تحتلها بلادنا كوجهة إقليمية رئيسية للاستثمار.
وهذا النبأ دفعني للغوص أكثر في التفاصيل، وفتح شهيتي للبحث عما ورد في التقارير الدولية والرسمية من أرقام وإحصائيات، تكشف بوضوح حجم الإنجاز الذي حققه اقتصادنا على أرض الواقع مؤخراً. فحسب المعلومات، قد جاءت الإمارات في مرتبة الصدارة على المستويين العربي والإقليمي، وفي مراتب متقدمة عالمياً في العديد من المؤشرات الاقتصادية. إذ حلّت في المرتبة الـ11 عالمياً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، الصادر عن البنك الدولي 2019، وفي المرتبة الـ23 عالمياً في مؤشر تمكين التجارة الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وفي المرتبة الـ27 عالمياً في مؤشر التنافسية العالمي 2018-2019 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وفي المرتبة الـ7 في المؤشر الصادر عن المرصد العالمي لريادة الأعمال، كما احتلت الإمارات المرتبة الـ38 في مؤشر الابتكار العالمي 2018 الصادر عن معهد آنسياد وجامعة كورنيل والمنظمة العالمية للملكية الفكرية.
جميع تلك التقارير الدولية، التي تعتمد لغة الأرقام - وهي لغة دقيقة صارمة حاسمة لا تعرف المجاملة - تؤكد أن النتائج الإيجابية والتوقعات المتفائلة تأتي في ظل وضوح الرؤية المستقبلية لاقتصادنا الوطني، الذي يعتمد على خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وعلى رأسها مقررات الأجندة الوطنية 2012، وكذلك خطة ما بعد النفط، من خلال تشجيع الابتكار، وخصوصاً ما يتعلق بالذكاء الصناعي، وبرامج الفضاء، والتوسع في القطاعات غير النفطية، وزيادة محفزات جذب الاستثمار الأجنبي.
وما تزال قياداتنا، تتقدم بسفينة البلاد بثباتٍ وفق منهج وسياسة النفس الطويل. وكانت البداية في القمة الحكومية للعام 2015، عندما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إننا نفكر ونخطط لنصف قرن مقبل، حتى يكون الاقتصاد الإماراتي مستداماً ومتيناً ومتنوعاً لا يعتمد على الموارد التقليدية بما فيها النفط.

استجابت الحكومة لرؤية سموه، وعقدت حينها (خلوة ما بعد النفط) للتباحث والتشاور، وها هي الإمارات اليوم، تصل إلى مرحلة لا يمثل البترول أكثر من 30% من اقتصادها، بعد ما كان خلال سبعينيات القرن الماضي يشكّل حوالي 80%.
وكما يعلم غيري وأنا، فإن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هي امتداد لفلسفة الوالد زايد، طيب الله ثراه. وأتذكّر في هذا المقام، يوم تساءل الشيخ زايد بكل شفافية ووضوح: إلى متى يظل اعتمادنا على البترول؟ وما العمل إذا ما جاءنا يوم، ووجدنا فيه أن البئر قد جف؟!!
آنذاك، وُلدت فكرة إنشاء صندوق أبوظبي للاستثمار- أحد أكبر صناع الاستثمار السيادية في العالم - الذي تمكّن في غضون سنوات قليلة من إدارة شبكة ضخمة من المشروعات والأعمال في العديد من بلدان العالم، وعبر هذا الصندوق، احتلت الإمارات مكانة رائدة من خلال استثماراتها خارج حدود الوطن.

والنجاح الذي تحقق للاستثمارات الإماراتية الخارجية في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية، أثبت الكفاءة العالية في الأسواق الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي أكده تقرير أونكتاد، والذي أعلن أن إجمالي تدفقات الاستثمار المباشر، الصادر من الإمارات إلى دول العالم عام 2018، وصل إلى 15 مليار دولار، أي ما يشكّل نسبة 7.2%، لتحل دولتنا في المركز الـ19 عالمياً، والمرتبة الثانية على مستوى منطقة غرب آسيا، بعد استحواذها على 31% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصادرة من هذه المنطقة.
وإن سألني سائل، عن سر تفوق الإمارات ونجاحها في هذا المجال، لقلت باختصار: إن شبكة العلاقات التي تربطنا مع الكثير من دول العالم، وتقاطعنا وتعاوننا معها، وتبادل الخبرات فيما بيننا، كلها عوامل ساهمت في فتح أبوابنا أمام الشركات العاملة في عدد من الصناعات والخدمات العالمية المتقدمة، من بينها الطيران وخدمات النقل بكافة أشكاله والتعدين والموانئ والبنى التحتية والطاقة المتجددة، وقد ضمنت دولتنا لجميع الشركات التنافس فيما بينها، بما يخدم اقتصادنا الوطني، وتحت سقف القانون.
ونحن ندرك أن الاستثمار الأهم يكمن في الإنسان، فهو صانع النجاح والريادة والتميز، وإن زرع خيراً سيحصد الخير بالتأكيد له ولسواه. ومع استمرار هذه المنظومة التي تبنتها الإمارات، فإن الأجمل قادم لا محالة.

&

&