&فهد الدغيثر&

يحتار المتابع كثيراً أمام صمت العالم عن دور دولة قطر الداعم للإرهاب بكل وضوح، سواء بالمال أم بالسلاح أم بكل ما يلزم الجماعات الإرهابية من مساعدات لوجيستية متنوعة، وإن كنت شخصياً لست ممن يوظفون فكر المؤامرة الدولية إلا أن الدور الذي تمارسه قطر أمام صمت العالم لا بد وأن يثير الكثير من التساؤلات.


أحدث الفضائح القطرية، وأراهن أنها لن تكون الأخيرة، تورط فرع بنك الريان في لندن بالسماح لحسابات يمول أصحابها جهات إرهابية ومتطرفة حول العالم، على رغم حضر هؤلاء الأفراد من التعامل في بقية البنوك في بريطانيا. هذاما كشفته صحيفة "تايمز" البريطانية التي تطالب سلطات بلادها بفتح تحقيق موسع يكشف تفاصيل هذا السلوك. جاء في الصحيفة "أن عددا من زبائن مصرف الريان القطري تم تجميد حساباتهم في بنوك غربية أخرى، في إطار حملات أمنية ضد الإرهاب، من بينهم منظمة تقول إنها خيرية وهي محظورة في الولايات المتحدة". (موقع سكاي نيوز العربية).

سبق هذا الإعلان بأقل من شهر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية يوضح التسهيلات المالية التي تقدمها قطر للإرهابيين المدرجين على قوائم الإرهاب وجاء على رأس هؤلاء، القطري خليفة السبيعي المدرج على قوائم الإرهاب الدولية منذ عام 2008 ضمن قائمة الداعمين والممولين لتنظيم القاعدة. واشنطن تتهم السبيعي بأنه "رجل القاعدة الأول في قطر"، إذ سبق وأن دعم المدعو خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. يذكر أن قطر قد احتجزت السبيعي هذا لمدة ستة أشهر فقط وأفرجت عنه، متجاهلة مطالب دولية وأميركية لاستجوابه. لا يمكن بالطبع تجاهل البليون دولار الذي دفعته الدوحة لجماعات إرهابية وميليشيات متطرفة في عام 2017 في العراق، عندما سلمت هذا المبلغ الضخم لجماعات متطرفة عدة، مقابل الإفراج عن أمراء قطريين محتجزين.

الظاهر لأي متابع أن ما تمارسه قطر يرتبط بطريقة أو بأخرى على رهاناتها الوردية على "الإخوان المسلمين" قبل ثمان سنوات عندما انطلقت شرارة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، غير أن سوء الطالع الذي لم تستوعبه قطر ومن يقف معها هو أن هذا "الربيع" لم يعمر طويلاً. ثورة الشعب المصري في ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٣ أطفأت هذا "الربيع"، وتحول المؤيدون له إلى مرضى نفسيين في غرب الأرض وشرقها. كل من وقف مع هذا "الربيع" اعترف بفشله وألف البعض منهم كتباً عن ذلك الفشل ما عدا قطر. في ليبيا مثلاً لم يتوقف الدعم القطري وهذه المرة بمشاركة "الإخواني" رجب طيب أردوغان، عن دعم الفصائل الإرهابية هناك. بالأمس القريب فقط تنجح دفاعات الجيش الليبي بإسقاط طائرة شحن تركية محملة بالسلاح والمتفجرات في طريقها لميليشيات الإرهاب في العاصمة الليبية. قبل ذلك وبصور متكررة يعثر الجيش الوطني الليبي على صناديق من الأسلحة تحمل أختام الجيش القطري وجد بعضها داخل منزل زعيم تنظيم القاعدة في منطقة درنة الليبي بعد تحريرها من الجماعات الإرهابية المسلحة، وأخرى في بنغازي بعد القضاء على تنظيم "داعش" هناك.

أما التسجيل الصوتي للمكالمة الهاتفية، بين السفير القطري في الصومال حسن هاشم، ورجل الأعمال خليفة المهندي، المقرب من الأمير تميم والذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية فهو بنظري الأخطر على الإطلاق. من استمع لهذا التسجيل يدرك بلا شك أن الدوحة هي التي وقفت وراء التفجير الذي حدث في مدينة بوصاصو الصومالية في الـ18 من أيار (مايو) الماضي. خليفة يؤكد للسفير أن "أصدقاء قطر نفذوا الهجوم"، وأن هذا العمل يصب في مصلحة قطر.

ستنكشف أمور كثيرة ملوثة برائحة عفنة كما انكشفت رشاوى الفيفا وبنك باركليز وأنشطة المؤسسة القطرية الخيرية في الولايات المتحدة وغيرها. نعود إلى التساؤل الأصل. ما نوع الحصانة التي تتمتع بها قطر؟ هل يشفع لقطر ويمنع عنها المساءلة علاقاتها بإسرائيل كما توقع الشيخ حمد في تسجيلاته مع القذافي؟ لكن تلك التسجيلات كانت تتحدث عن مواجهة الضغوطات السعودية فقط ونحن هنا نتحدث عن مخاطر تمس العالم كله. هل لوجود سفارة لطالبان في الدوحة تمكن أميركا من التفاوض سراً مع تلك الجماعة المتشددة علاقة بصمت أميركا عن هذه التجاوزات القطرية الفاضحة؟ الملاحظ أيضاً أن من تدعمهم قطر من الجماعات الإرهابية قد توقفت ولو مرحلياً عن استهداف المؤسسات الأميركية والغربية بشكل عام، إضافة إلى محمية إيران بالطبع التي لم تستهدفها أي منظمة إرهابية حتى يومنا هذا. هل تصح رواية أحد المهرجين في قناة الجزيرة الذي يظن في مقالة كتبها أن كل ما يحدث في المنطقة يصب في دعم سيطرة إيران على الشرق الأوسط على رغم العقوبات الاقتصادية الصارمة على طهران

إذا سلمنا جدلاً بوجود تآمر دولي فما هي النتائج المرتقبة التي قد تصب لصالح الدول الكبرى المتآمرة مع قطر؟ ما الفائدة من دعم "الإخوان" ضد الرئيس السيسي حتى اليوم؟ أو تأييد "الحوثي" ضد السعودية أو دعم تركيا اقتصادياً لنصرة نظام أردوغان الذي بدأ يترنح أخيراً؟

إن لم توجد مثل هذه المؤامرات على أرض الواقع ولا أظنها توجد، فإن قطر ببساطة أساءت فهم صمت العالم ربما بسبب احتقاره لحجمها وتأثيرها وقد لا يطول هذا الصمت كثيراً. حكومة الدوحة بخبرتها السياسية المتواضعة تمادت في أحلامها "التوسعية" كثيراً وأصبحت، بعد أن بدأت تستيقظ بفعل مقاطعتها من الدول الأربع، كما الغريق الذي يتمسك بقشة في عرض المحيط مدركاً أنه غير قادر على العودة إلى الشاطئ والنجاة.