&علي القحيص


هناك بعض الدول والقوى الكبرى التي احتلت منطقة الشرق الأوسط في غفلة من الزمن، وتحولت إلى إمبراطوريات كبرى، مثل الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية العظمى التي «لا تغيب عنها الشمس».. لكن هذه الإمبراطورات شاخت وتقوقعت على نفسها وهوى نجمها، ثم اضمحلت واندثرت.. وذلك بسبب ما أظهرته من غرور وغطرسة ونهم للتوسع وللتنكيل بمجتمعات المنطقة ونخبها. وقد حدث ذلك بعد أن رفضتها شعوب هذه البلدان لكونها قوى دخيلة أجنبية عليها، ولا تنسجم مع خصوصياتها ولا تتناغم مع ثقافات شعوبها. ومن هذه الدول والإمبراطوريات الغازية الغاربة، الإمبراطورية البريطانية العظمى التي أصبحت اليوم دولة تابعة لسياسة الولايات المتحدة الأميركية، رغم أنها احتلت الأميركيتين في القرن السابع عشر، أي قبل أكثر من 400 عام من الآن، ثم قامت في القرنين التاسع عشر والعشرين باجتياح أغلب الدول العربية، فقسمتها وفرقتها، لاسيما من خلال معاهدة «سايكس- بيكو» التي قطّعت بموجبها، وبالتفاهم مع فرنسا، العالمَ العربي إلى دول ومكونات سياسية متنافرة، وخلقت في خاصرة كل دولة مشكلة نائمة، لكي تثيرها عند الحاجة لخلق أي بلابل أو اضطرابات.

وهذه السياسة معروفة في تاريخ الغرب البراغماتي، لأنه يراوغ وينقلب على التحالفات السياسية مع غيره، ومنه بريطانيا التي ضحّت بحلفائها العرب وتخلت عنهم بعد أن وقفوا معها ضد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وجعلت من العالم العربي خريطة ممزقة، وما احتلت بلداً عربياً إلا وتركت في خاصرته «خميرة عكننة»، وأوجدت له بؤرة تمثل فتيلة قابلة للاشتعال في أي وقت ضده وضد أهله. ومثل هذه الاستراتيجية معلوم في عرف السياسة الاستعمارية لكثير من الدول الأوروبية خلال القرن الماضي، لذلك فقدت هذه الدول ثقة حلفائها في كثير من أنحاء آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ومن هذه الدول الأوروبية بريطانيا، المسؤولة الأولى -سياسياً وقانونياً- عن إقامة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه، وذلك من خلال مشروع «وعد بلفور» الذي ما تزال المنطقة تعاني من تداعياته، إذ أوجد مشكة لم تفتأ تشغل الشعوب وتستنفد طاقاتها في التنمية والبناء منذ 70 عاماً.

لكن بسبب تلك السياسات أيضاً أصبحت بريطانيا ذاتها أداة بيد القوة الأكبر في عالم اليوم، أي الولايات المتحدة الأميركية، والتي استخدمتها في عدة مواقف وأزمات، بما في ذلك غزوها العراق الذي سبق أن دفع دماءً غالية من أجل بريطانيا نفسها، لكنها أدارت له ظهرها. ونعلم أن الإنجليز جردوا الفلسطينيين حتى من سكاكين المطابخ عند دخولهم فلسطين، ثم تركوا أسلحة الجيش البريطاني بأيدي العصابات الصهيونية، مثل «شتيرن» و«الهاجاناه» وغيرهما، لقتل المواطنين الفلسطينيين في عقر دارهم، بسبب سياسات الإمبراطورية العظمى، هذه السياسات التي لا يزال كثيرون يدفعون أثمانها الغالية، حتى بعد أن غَرُبت شمسُها!&

&

&