&عمر علي البدوي

الشك لم يرقَ إلى درجة الطعن في طبيعة العلاقة المتينة بين أبوظبي والرياض، إلى الحد الذي لم يكلف أيا من العاصمتين لتبرير أو تفسير أو التعليق على هذه الفوضى من الشائعات.

&مسعى استراتيجي للتحالف بإعادة الشرعية إلى الجمهورية اليمنية

تطارد منصات قطر الإعلامية، بهوس، فتات المواقف المتنائية والأحداث المتشظية لتجمعها في أحجية الخلاف الذي تتمناه بين السعودية والإمارات، التي بلغ بينهما التنسيق مبلغا يصعب أن يفتته اختلاف وجهات النظر الذي قد ينشب نتيجة كونهما دولتين طبيعيتين تعمل كل واحدة منهما في إطار مصالحها التي إن لم تعد بالنفع على الجميع، سترد أقله بلا شك الشر عنهما.

وهذا ما يود الرباعي العربي أن تكون عليه قطر، دولة طبيعية قد تتبنى موقفا مختلفا في سياق سعيها لصون مصالحها، لا أن تنطلق على أساس العداء والمناكفة، وإيذاء الجيران وتبني كل من يطعن في خواصرهم، ثم تسمّي ذلك استقلالا وسيادة ونهج دولة.

استثمرت قطر في عدد من الحوادث التي جرت في الأسابيع الماضية، حيث سمّت إعادة انتشار القوات الإماراتية انسحابا تركت بموجبه السعودية وحيدة في اليمن، ووصفت التنسيق البحري بين أبوظبي وطهران، طعنة في ظهر الرياض، وأخيرا اعتبرت أحداث عدن طبخة إماراتية لم تقِم اعتبارا لدور السعودية في الشأن اليمني، لتنطفئ كل هذه الأمنيات الفاسدة بزيارة لم تخلُ من الود المعروف بين قيادة البلدين.

والواقع أن الشك لم يرقَ إلى درجة الطعن في طبيعة هذه العلاقة المتينة بين أبوظبي والرياض، إلى الحد الذي لم يكلف أيا من العاصمتين لتبرير أو التعليق على هذه الفوضى من الشائعات، سوى بعض الجدل الإعلامي الذي نشب في حوافّ الأحداث الراهنة.

التكهنات الإعلامية كانت ردّ فعل طبيعي تجاه سخونة الأحداث في الملف اليمني ووتيرتها السريعة، ولاسيما ما تعلق بقضية الجنوب التي لم تنشأ هذه اللحظة، بل هي مسألة تاريخية لم يزد عليها التحالف العربي إلا ما يشبه التبريد، استجابة للمنطق والعقل.

لا يصح اتهام التحالف بالمسؤولية أمام رغبة جنوبية جادة ومجمع عليها في الانفصال والاستقلال بذاته، أو ما يسميه الجنوبيون بحق استعادة الدولة، كما أن مخرجات الحوار اليمني في 2014 تدعم، إلى حد ما، هذا التوجه، وليس بمستطاع أي دور تدخلي من التحالف أو غيره أن يتصادم مع موجة شعبية جارفة تدعم مبدأ الاستقلال.

أكثر ما يمكن أن يبذله التحالف هو أن يضمن حدوثه في ظروف طبيعية، وبعد استعادة كامل التراب اليمني من قبضة الميليشيا الخارجة عن التاريخ، وفي سياق تفاهم مع الفاعلين في الداخل اليمني وبرعاية أممية تعطي شرعية كاملة لهذا المنحى، لا أن يحدث في شكل انقلاب أو ارتجال يجرّ اليمن إلى المزيد من الفوضى والانهيار، ولا بتوظيف ما تتيحه سعة بال التحالف وقيادته في الرياض لتمرير مشروع مختلّ غير مستوفٍ لشروطه الموضوعية.

هذا حديث العقل والمنطق وليس سردية التشويش التي تنتهجها قطر لزيادة إيذاء الرباعي العربي والارتماء في حضن الضرورة القابع في طهران، دون مبالاة بأوجاع اليمنيين. أو بالتنسيق مع وكلائها من الإخوان، وهو ملف آخر تتلاعب عبره قطر بمصير المسألة اليمنية، وتحرك بيادقها للنفاذ منه إلى جروح اليمن والضغط عليها وإيلام أهلها، للفوز برصيد إضافي في إطار خصومتها مع جاراتها.

إذ يشكو الجنوبيون من سلوك بعض إخوان اليمن الذي يشلّ من قدرة الجزء الشمالي من البلاد لحلحلة المشاكل العالقة لديه، ونفوذ “الإصلاحيين” الذي يعرقل جهود التحالف والحكومة الشرعية، وينشق بأجندة مرتبطة بتوجيهات خارجية تزيد من الفوضى وتطيل أمد الحرب.

على أساس الوضوح الذي تعودته السعودية سياسة ثابتة في نهجها، تتفهم الرياض هواجس الجنوبيين وغيرهم في مراجعة أداء الحكومة الشرعية، وتفحص دورا انحرافيا قد تتبناه بعض أطرافها، وتود السعودية بنصحها المستمر أن يتمّ ذلك داخل البيت اليمني دون جهد تعسفي تضطر لتبنيه في المسائل المحلية.

وتريد أن تستمر في أهدافها الشرعية، خدمة المسعى الاستراتيجي للتحالف بإعادة الشرعية إلى الجمهورية اليمنية وتأمين استقرارها وسلامتها الإقليمية، وإيقاف أي نفوذ إيراني في شبه الجزيرة العربية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية لمنع أي انتشار لها في دول الإقليم، وذلك استجابة لطلب رسمي من الحكومة اليمنية تشكل على أساسه التحالف.

ومثل صيحات مبددة في فضاء واسع لا يلقى لها بالا، تضيع سدى مساعي قطر الخائبة للوقيعة بين العاصمتين المركزيتين للإقليم الخليجي، تذروها الرياح، فيما تخسر الدوحة أرصدتها الأخلاقية والسياسية في كل مرة تنكشف خلالها ورطة جديدة، إذ تضاعفت المناسبات التي فضحت في العديد من المرات تورط قطر السلبي في ملفات ومناطق مختلفة من العالم، في الصومال وبنوك بريطانيا وفساد الفيفا وصواريخ إيطاليا والسلوك السياسي لبعض أفراد الأسرة الحاكمة هناك.

تعوض ذلك بالغوص عميقا في البحث عن قشة تنقذها من هوة السقوط، وتتشابه أجندة قطر مع إيران في تفتيت تلاحم الموقف الصلب تجاه سلوك البلدين المقوضين لاستقرار المنطقة، والتحايل على هذا الموقف عبر دسّ سم التلفيقات في عسل علاقة لا تزيدها الأيام إلا ثباتا وتماسكا.

وهذا لا ينفي أن الكفة الإعلامية للرباعي العربي لا تزال خاسرة، وأوراقه لا تجلب الأرباح بل تكلفه المزيد من الخسائر، في إطار المنافسة المحمومة لكسب وجدان جمهور المنطقة.

ولدعم استراتيجية الاستقرار وتقويض رعاة التطرف ينبغي مراجعة واقع الإعلام الداعم له وتطوير آلياته ليرتقي إلى مستوى قيمة المشروع وعظم المسؤولية.

&