&أحمد الحناك&

من النادر جداً، بل يكاد من المستحيل أن يخرج بليونير أميركي مواصفاته قريبة من أولئك الثوار الرومانسيين الذين يضحّون بكل غالٍ ونفيس في سبيل صنع الابتسامة وانتشال بعض المآسي التي لا تنضب. إلا أن بيل غيتس كسر القاعدة، فهو وزوجته ميليندا يعملان بشكل دؤوب لتفقد فقراء وجوعى العالم ومرضاه من خلال جمعيتهم الخيرية.


مبادرة هذا الرجل النبيل شجّعت أسماء كبيرة على الانخراط في هذه الحملات التي تهدف إلى نشر السلام والصحة والأمن والسعادة في عالم مرعب مليء بالحروب والمجاعة والفوضى والجهل. إذ فضلا عن تفاعل ملاك "فايسبوك" و"غوغل"، فإن أكثر من عشرة بليونيرات أميركيين بذلوا جزءاً ضخماً من ثرواتهم أسوة بغيتس.

غيتس هو صاحب مؤسسة "بيل آند ميليندا غيتس" الخيرية الأكثر تبرعا في العالم، والتي تأسست في عام 2000 ووصل حجم تبرعاتها إلى 50 بليون دولار، وأبلت هذه المؤسسة بلاء حسنا في مجالات عدة على رأسها الاستثمار بكثافة في مجال تطوير اللقاحات للأمراض التي تصيب الأطفال ومحاولة توفيرها بشكل مجاني لغير القادرين، خاصة في قارة أفريقيا الغزيرة السكان.

يرى غيتس (63 عاماً) أن "هناك حاجة أكبر إلى البيانات والأنظمة ومحاسبة المسؤولين وتحفيز السياسيين وصناع القرار لمعالجة مشاكل العالم الكبرى" (صحيفة "فاينانشيال تايمز")، ويقول: "كان علينا التركيز بشكل أكبر على الإدارة والسياسة والنظم الصحية لضمان وصول منتجاتنا الجديدة إلى أكبر عدد من المحتاجين... وهذا ما تبنيناه في مساعي القضاء على مرض شلل الأطفال في الدول التي لا تزال تعاني منه وعلى رأسها نيجيريا". ويضيف: "ركزنا على أنظمة تسليم اللقاحات وسلسلة توريدها فضلا عن الإحصائيات، أصبح لدينا قاعدة بيانات تتضمن أحدث المستجدات، وحرصنا على عقد عدة لقاءات عبر الفيديو سنويا مع حكام الولايات النيجيرية، لقد جعلنا من البلاد حقلاً غنيا بالمعلومات في هذا المجال" (محسن خضر).

هذه المبادرات الرائعة تذكرنا بالأغنية العظيمة "نحن العالم" الذي ألّفها كل من مايكل جاكسون وليونال ريتشي لهدف إنساني وانتهيا من العمل عليها في الحادي والعشرين من يناير 1985. تمّ تسجيلها بعد ذلك في كاليفورنيا بمشاركة 45 نجماً عالمياً، أما صدورها فكان في السابع من آذار (مارس) من العام ذاته، وحقّقت نجاحاً كبيراً تجاوز حدود أميركا ليصل إلى كل أنحاء العالم. وُصفت هذه الأغنية بـ"النداء إلى الرأفة الإنسانية"، وهي تمثل واحدة من أنجح الأغاني على مدى سنوات طويلة، بما حصدت من جوائز وما حقّقت من أرقام قياسية، نذكر منها رقم المبيعات الذي تجاوز الـ 20 مليون نسخة، مع أرباح فاقت الـ63 مليون دولار أميركي، وأطلق الفنانون المشاركون في الأغنية على أنفسهم اسم "USA for Africa" وبلغوا هدفهم المنشود وجعلوا المبلغ المحصود في خدمة المحتاجين في الولايات المتحدة الأميركية وفي أفريقيا، خاصة في أثيوبيا. (عبير النصراوي).

هذا هو الجانب الجميل من الغرب الذي لا يخفف بالطبع مما يرتكبه السياسيون والشركات المتحكمة، من أهوال وفظائع، غير أنه يعني أن العالم لا يخلو من الخير أو الشر فهذه هي طبيعة الحياة.

في الأغنية المذكورة أعلاه، والتي تفاعلنا معها جميعاً بالدموع، لم يتصارع عمالقة الفن على من هو الذي يبدأ الاغنية أو يكون قائد المجموعة، فالهدف كان إنسانياً خالصاً وتعاطفاً مع مجاعة الأفريقيين.

هل يجعلنا ما يقدمه الخيّرون في الغرب لمجتمعات فقيرة خارج أوطانهم نتأسى على أوضاعنا داخل العالم العربي المليء بالتمزقات والحروب، أم نتفاءل وننتظر من الأجيال الجديدة كسراً للهدر المالي والمباهاة الكاذبة التي يبذر فيها بعض أثرياء العرب أموالهم؟ سؤال أوجهه إلى الأجيال القادمة.