&منى الرئيسي&&

&وكأنه الأمس.. حينما قابلت الكاتب الراحل حبيب الصايغ في بهو فندق بتورينو الإيطالية.. حيث كان جالساً هناك يحتسي القهوة مع زوجته بعد أن أرهقه التجول في متاحف وطرقات تلك المدينة.


تشاطرنا الحديث، الذي نقلنا جزءاً كبيراً منها على شاشة الشارقة حول هموم المثقف العربي ودور الإعلام الثقافي الذي يفتقد مكانه في سلم الأولويات.. حديث أراده حبيب أن يكون صريحاً وجريئاً بشكل مسؤول أمام كل المتابعين كما قالها بوضوح تام.

هكذا كان حتى كتب «من أول ساعة غياب».. في مقالاته وشعره وندواته ونقاشاته الرسمية والجانبية لا يبتغي إلا قول كلمة الصدق مهما كان ثمنها، محملاً بتساؤلاته الكونية المصاغة شعراً، وبقضايا وطنه المدونة عموداً ومقالاً، وبقوميته المؤججة عروبة.

ذاكرة الكثيرين قد تختزن العديد من المواقف لرجل الحداثة الشعرية الأول، وداعم الكتاب لكونه رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، لمست في حديثي مع بعضهم كم كان يساندهم ويشد على أيدي إبداعاتهم، ويحرص على إبراز حضورهم الداخلي والخارجي في محافل الأدب والثقافة.

حبيب الصايغ كان نموذجاً في الكتابة الصحافية الرصينة ذات البعد الوطني الحريص، ناقد ماهر ومهادن يحتار فيه طرفا القضية التي تفترش ورقته، في آخر أيامه عاد قلمه قوياً بعد فترة هدوء وربما سلام مع الذات، وكأنه يقول لنا هذا هو حبيب الذي يجب أن تذكروه عند رحيله.

نعم، لقد كان الراحل مدرسةً في ميدان الثقافة والصحافة.. مدرسة تنتظر طلابها الذين يسيرون على نهج مرشدهم الذي ترجل عن صهوة قلمه، لتبقى شعلته متوقدةً بالفكر والشعر والأدب يحملها من بعده جيل يمتلك من الشجاعة ما يكفي ليقول ما قاله حبيب.