&ناثنيال بوبر

رغم تصنيفها «منظمة إرهابية» من قبل الحكومات الغربية وغيرها من الحكومات وعزلها عن النظام المالي التقليدي، فقد طور الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية هذا العام حملة بالغة التعقيد لجمع الأموال باستخدام عملة «بيتكوين» المشفرة.

في أحدث إصدار من الموقع الإلكتروني الذي أنشأه الجناح، المعروف باسم «كتائب القسام»، يحصل كل زائر على عنوان «بيتكوين» فريد يمكن من خلاله إرسال العملة الرقمية، وهي طريقة تجعل من المستحيل تقريباً تعقبها من قبل جهات إنفاذ القانون.

يحتوي الموقع، المتاح بسبع لغات، الذي يحمل شعار الكتائب مع العلم الأخضر ومدفع رشاش، على فيديو متقن يوضح كيفية الحصول على عملة «بيتكوين»، وطريقة إرسالها من دون علم السلطات.

كان الإرهابيون بطيئين في الانضمام إلى العناصر الإجرامية الأخرى التي تم جذبها إلى «بيتكوين»، واستخدموها في كل شيء، بدءاً من شراء المخدرات إلى غسل الأموال. لكن في الأشهر الأخيرة، بدأت السلطات الحكومية والمؤسسات التي تتعقب تمويل الإرهاب، في توجيه إنذارات بشأن زيادة عدد المنظمات الإرهابية التي شرعت في تجربة عملات «بيتكوين» وغيرها من العملات الرقمية.

تعتبر عائدات الحملات الفردية متواضعة، إذ لا تتخطى عشرات الآلاف من الدولارات، لكن السلطات تشير إلى أن الهجمات الإرهابية غالباً ما تتطلب القليل من التمويل. ويبدو أن استخدام المجموعات للعملات المشفرة أصبح أكثر تطوراً.

وفي هذا الصدد، قال يايا فانوسي، محلل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «ستشاهدون المزيد من التكتيك، وسيكون جزءاً من أساليب تمويل الإرهاب، وهو أمر يجب على الناس الانتباه إليه».

وقد لفت وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين الانتباه إلى هذه المسألة في مناسبتين في الأشهر الأخيرة، داعياً إلى مزيد من المراقبة النشطة لشركات العملة المشفرة.

وقال سيغال ماندلكر وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في مقابلة صحافية: «إننا نخصص كثيراً من الموارد لهذا الأمر. ما زال الأمر جديداً نسبياً بالنسبة لهم، لكنني واثق من أننا سنرى المزيد في المستقبل».

تعتبر «العملات المشفرة» جذابة للمخالفين للقانون، نظراً لأنها تتيح لهم الاحتفاظ بالمال وتحويله دون سلطة مركزية، مثل «باي بال»، التي تستطيع إغلاق الحسابات وتجميد الأموال.

ويمكن لأي شخص في العالم إنشاء عنوان «بيتكوين»، والبدء في تلقي الرموز الرقمية دون حتى تقديم اسم أو عنوان. كذلك تستضيف أسواق الإنترنت تلك العملة التي تستطيع من خلالها استخدامها شراء المخدرات، في تجارة تقارب المليار دولار سنوياً، رغم إغلاق السلطات لكثير من الأسواق.

اتخذت الدول التي تواجه عقوبات اقتصادية أميركية، مثل إيران وفنزويلا وروسيا، خطوات نحو إنشاء عملات مشفرة خاصة بها، للتحايل عليها.

وفي هذا الصدد، قال خبراء الإرهاب إن عملات «البيتكوين» كانت أبطأ في التعقب بين الإرهابيين بسبب تطورها التقني. وللجماعات الإرهابية أساليبها أيضاً في استخدام النظام المالي التقليدي دون الحاجة إلى «البيتكوين».

ظلت منظمة «حماس» التي تسيطر على الأراضي الساحلية الفلسطينية في غزة تعيش على مئات الملايين من الدولارات التي تتحصل عليها من تبرعات الحكومات الأجنبية، مثل قطر. وكان تنظيم «داعش» في سوريا يعيش على حد الكفاف بالضرائب والرسوم التي يجمعها في المناطق التي يسيطر عليها. لكن قدرة المنظمتين على الوصول إلى الأموال تقلصت بدرجة كبيرة، إذ فرضت إسرائيل حصاراً صارماً على غزة، وجرى الضغط على «حماس»، العام الماضي، بسبب التقليص المالي الكبير الذي فرضته السلطة الفلسطينية، كذلك فقد تنظيم «داعش» معظم أراضيه.

قال ستيفن ستالينسكي، المدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط للأبحاث الإعلامية، وهي مؤسسة غير ربحية تتتبع وتتولى ترجمة الاتصالات من الجماعات الإرهابية: «يبدو أنهم يتحايلون على العقوبات الاقتصادية باستخدامهم (بيتكوين)».

إن منظمة السيد ستالينسكي، المعروفة باسم «ميمري»، على وشك نشر تقرير من 253 صفحة حول الدلائل المتزايدة على استخدام المنظمات الإرهابية، لا سيما الجماعات الموجودة في سوريا والهاربين، للعملات المشفرة، ذلك لأن الجماعات المسلحة في سوريا خسرت جميع الأراضي التي سيطرت عليها في السابق.

الطريف أن «شيخاً بارزاً» ضمن واحدة من أكبر الجماعات الإرهابية في سوريا، «جماعة تحرير الشام»، نشر مقطعاً مصوَّراً طويلاً لمتابعيه عبر الإنترنت في يوليو (تموز) الماضي، ذكر فيه أنه يجوز استخدام عملة «البيتكوين» في التبرعات الخيرية.

واكتشف عدد من الباحثين عبر الإنترنت مؤخراً حملات قام بها متشددون سوريون طلبوا من المتابعين إرسال تبرعات لعناوين «بيتكوين» التي نشروها عبر شبكة «تيليغرام» الاجتماعية الشهيرة.

إحدى المشاركات، التي عثر عليها رافائيل غلوك، باحث مستقل، وضعت عنوان «البيتكوين» أسفل صورة رجل يرتدي ملابس مموهة ويطلق النار من بندقية عسكرية.

كانت الدلائل على أن الإرهابيين يستخدمون «البيتكوين» متقطعة منذ عدة سنوات، لكن السيد فانوسي، المحلل سالف الذكر، لفت انتباه الجمهور إلى حملة لجمع التبرعات بدأت في عام 2016 من قبل مجلس شورى «المجاهدين» في ضواحي القدس، وهي جماعة مقرها غزة تم تصنيفها على أنها «منظمة إرهابية».

لكن الجهود المبكرة كانت عشوائية، إذ قدمت حملة غزة عنوان «بيتكوين» واحد، مما جعل من السهل على أجهزة إنفاذ القانون تتبع مصدر الأموال. ولم تحصل المحفظة التي جرى الإعلان عنها من قبل المجموعة سوى على بضعة آلاف من الدولارات. وعندما بدأت «كتائب القسام» في جمع الأموال، أواخر العام الماضي، زعمت شركة الأبحاث الإسرائيلية «وايت ستريم» أن «حماس» كانت تحتفظ ببعض الأموال في محافظ تم تأسيسها مع شركة العملة الأميركية المشفرة «كوين بيز». وقال جيف هورويتز، كبير مسؤولي «كوينز بيز» إنه عقب ربط الحساب بـ«كتائب القسام» جرى تجميد الحساب على الفور، وأبلغت السلطات الأميركية بذلك على الفور.

* «نيويورك تايمز»