& حسين شبكشي

&

انطلقت في مدينة بياريتز الفرنسية المطلة على المحيط الأطلسي قمة دول السبع، وهي القمة التي تجمع دول التحالف المنبثقة من تكتل حلفاء حلف الأطلسي، وتم ضم روسيا إليه بصورة «مفاجئة»، وبعد عقوبات اقتصادية عليها تم «إخراجها» وعدم دعوتها مجدداً، والآن هناك دعوة وإصرار من الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدعوتها مجدداً، باعتبارها أحد الدول الاقتصادية (وهذا غير دقيق فالاقتصاد الروسي أصغر من اقتصاد إيطاليا)، ولكنه تجاوز عنصري بحق الصين والهند اللذين يشكلان قوتين اقتصاديتين تتجاوزانه.
قمة السبع بضم روسيا تريد أن تتحول إلى نادي الرجل الأبيض (باستثناء اليابان) على ما يبدو. هناك خلافات كبيرة بين الدول الأعضاء في التعامل مع تحديات الحرب التجارية الحاصلة بين الولايات المتحدة والصين، فأميركا تطلب موقفاً صلباً من الأعضاء الآخرين ضد الصين، والأعضاء لديهم حساباتهم الاقتصادية والاستثمارية الخاصة مع المارد الأصفر التنين الصيني، ولذلك يوجه الرئيس الفرنسي بصفته زعيم الدولة المستضيفة الأنظار باتجاه أزمة مناخية بامتياز، وهي حرائق غابات الأمازون الكبرى بالبرازيل، واتهامه الصريح للرئيس البرازيلي بالتقصير، ودعوته المجتمع الدولي «بالتدخل» لإنقاذ رئة العالم التي توفر 22 في المائة من احتياج كوكب الأرض من مادة الأوكسجين.
ولخطورة كلام الرئيس الفرنسي اعتبره الرئيس البرازيلي نوعاً من «الاستعمار الجديد» وتدخلاً صريحاً في «الشأن الداخلي» للدول الأخرى. ولكن حرائق الأمازون أمر خطير للغاية، ولقد أشار العلماء إلى أن ما خرج من ثاني أكسيد الكربون نتاج الحرائق في الأسابيع القليلة الماضية هو أكثر من نتاج 140 عاماً من الإخراج الطبيعي للكربون.

ويراقب العالم بحذر ما الذي سيقدم عليه المجتمع الدولي «المصغر» بحق الضرر الحاصل من البرازيل؟ وهل سيتم «التدخل» ضدها كما حصل مع «نوريغا» عندما أغلق قناة بنما وهدد أمن التجارة الدولية؟ فقضية المناخ العالمي منقسمة بين رأيين لمدة الخمسين عاماً الماضية. رأي يعتبر ما حصل هو دورة مناخ طبيعية تحصل كل آلاف السنين، حيث تتجمد الكرة الأرضية ثم تعود فتزداد الحرارة عليها ويذوب الجليد، كما هو حاصل الآن. ورأى آخر، يقول إن ما يحصل الآن هو بسبب العنصر البشري وزيادة استهلاك الغازات وانبعاثها إلى السماء، مما أثر على طبقات الغلاف الجوي، وأدى إلى زيادة حرارة الكوكب وذوبان الجليد كما هو حاصل.

هناك قلق متوقع وطبيعي لدى الدول المنتجة للنفط والبلاستيك خوفاً من أن توجه إليها سهام الاتهام بالمساعدة على تلوث كوكب الأرض، وبالتالي التعرض لغرامات وضرائب وعقوبات، وكذلك هناك قلق مستحق لدى دول صناعية كبرى مثل الصين والهند وإندونيسيا بأن يكونوا في قلب قفص الاتهام لتلويث كوكب الأرض عبر إنتاج الغازات في الجو عن طريق التوسع الصناعي غير المسؤول، واستخدام الطاقة «القذرة» كالفحم والبنزين والديزل. من غير المتوقع أن تنضم روسيا لقمة «السبع» على رغم مطالبة الرئيس الأميركي بذلك، وكذلك لن يكون البيان الختامي «حدثاً» مهماً يعتد به، ولكن التصريحات التي صدرت من ترمب ومن ماكرون هي مقدمة مهمة لتوقع ما هو آتٍ.
أزمة المناخ هي سلاح اقتصادي يتم إعداده أوروبياً ليتم تبنيه لحقبة ما بعد ترمب، وروسيا ليتم التحضير لدعوتها لفترة ما بعد بوتين. قراءة استباقية لما يمكن توقعه من هذا النادي النخبوي الصغير في عدده ولكن الكبير في نفوذه.