& زياد آل الشيخ

&كانت مدينة نيويورك منذ الثمانينات الميلادية تعاني من ارتفاع نسبة الجرائم حتى أصبحت من أخطر مدن العالم حتى نهاية التسعينات، منذ نهاية التسعينات هبطت نسبة الجريمة بسرعة مذهلة، في عامين هبطت معدلات الجريمة قريباً من النصف، كما ارتفعت ثقة سكان المدينة في أمنهم إلى الضعف (من 37 % إلى 73 %) بعد أن كان معظم السكان لا يثق في قدرة شرطة المدينة على حمايتها، استمر أمن نيويورك بالتحسن حتى أصبحت إحدى أكثر المدن الأميركية أمناً في بداية الألفية، لم تزد بلدية نيويورك ميزانية الأمن أو تضاعف من قوات الشرطة إنما حدث شيء آخر أبسط من ذلك، فماذا حدث في نيويورك العام 1994؟

قامت البلدية بتعيين رئيس جديد لشرطة نيويورك، وكان ذلك كافياً لإحداث التغيير الذي تحتاجه المدينة، كان الرئيس الجديد قد حقق نجاحات في عدة مهمات سابقة منها شرطة بوسطن، حيث بدا كما لو كان يمتلك وصفة سرية للنجاح. إن كثيراً من الأفكار الجديدة تتعثر ليس لأنها أفكار غير ناجحة، أو لا تناسب الواقع، إنما لأن أصحاب هذه الأفكار من قياديين ومبادرين يفشلون في إقناع الآخرين بأفكارهم، فعند محاولة إيجاد أنصار، أو حلفاء بحسب تعبير كوتر، لتنفيذ استراتيجية ما، فإن المنفذين لا يملكون العزيمة الكافية لمواجهة صعوبات التطبيق، ليس ذلك فقط، لكن بحسب نظرية الذروة في إدارة التغيير، فإن على قائد التغيير أن يقنع عدداً كافياً من العاملين حتى يحقق الذروة التي ينتج عنها تحول عام لتشمل إرادة التغيير أعضاء المؤسسة كاملة. كان رئيس شرطة نيويورك الجديد قد حقق نجاحات سابقة باتباع منهجية الذروة في إدارة التغيير، ولم تكن تجربة نيويورك بدعاً في ذلك.

باختصار، قام رئيس شرطة نيويورك بدفع عدد من مسؤولي مؤسسته إلى نقطة تحول خاصة بكل واحد منهم، فبدل أن يقنعهم بالأرقام، أو يحفزهم بالخطب والكلمات الملهمة، وضع كل واحد من زملائه في مكان يستطيع منه أن يعيش المشكلة بنفسه، حتى تصبح المشكلة التي تعاني منها المدينة مشكلته الخاصة. هكذا، استطاع أن يحقق خطوة كسب الحلفاء باستخدام منهجية الذروة التي أدت إلى تحويل الشرطة إلى بيئة تملك عدداً من القياديين الذين يؤمنون بالتغيير، ولديهم العزيمة الضرورية لمواجهة التحديات.

هل يمكن أن نعتبر كسب العدد الكافي من الحلفاء لإحداث التغيير هو النجاح الذي يحتاجه القيادي لتحقيق التحول؟ حسب البعض فإن الإجابة: لا، فقد استمر قائد شرطة نيويورك باستخدام نموذج الذروة في خطوات تالية للتغيير، سيأتي ذكرها لاحقاً. لكنْ ثمة سؤال آخر، هل كل النتائج الأمنية المدهشة التي حققت كانت نتيجة إجراءات إدارية وفنية قادها رئيس شرطة نيويورك، أم أن سبباً آخر كان وراء هذه النتائج؟ أترك الإجابة عن هذا السؤال للمقالة القادمة.