على مدار عقود طويلة ظلت جماعة أو تنظيم الإخوان المسلمين محل جدل واسع في غالبية الدول التي انتشر فيها، ومن المؤكد أن هذا الجدل يعود للعديد من الأسباب والتي من أهمها موقف رموزه من التيارات الأخرى، وعلى الرغم من أن التنظيم تأسّس في بداية القرن الماضي باعتباره مجرد منبر دعوي، وعلى الرغم أيضاً من ارتداء بعض رموزه لعباءة الاعتدال، إلا أن الأحداث أثبتت أن السعي للسلطة كان هو المحرك الأساسي لقيادات الإخوان، كما أثبتت الأحداث أن نهجهم تجسّد دوماً في سعيهم للوصول إلى السلطة عبر التهديد بالفوضى المدمرة وإثارة الفزع، وقد تسبب ذلك في صدام عنيف بينهم وبين الحكومات في الدول التي انتشر فيها، بالإضافة إلى الرفض الشعبي الذي قوبلوا به؛ حيث رفضت العديد من فئات المجتمع بأن يسقط المجتمع بأسره كضحية لأي نوع من أنواع الفكر المتطرف أياً كان.

لقد سعى مؤسسو التنظيم في القرن الماضي إلى تسميته «بالإخوان المسلمين» في محاولة لاكتساب شعبية جارفة من شأنها أن تطيح بأي سلطة حاكمة، وهو ما يفسر تأسيس تنظيم إسلامي وسط دول غالبية شعوبها مسلمة من الأساس، فلو أن تنظيماً إسلامياً نشأ في دولة غربية فإنه من الطبيعي أن يمثل هذا التنظيم المسلمين في تلك الدولة باعتباره منبراً يمثلهم ويدافع عنهم، لكن تأسيس حزب إسلامي داخل مجتمعات تدين بالإسلام يثير الكثير من علامات الاستفهام عن مغزى تسميته، وعن موقفه تجاه الأحزاب والأفراد المسلمين من غير المنتمين تنظيمياً له.

المنهج الذي اتبعه الإخوان -ومن هم على شاكلتهم- منذ تأسيسه هو التشكيك في شرعية الأنظمة الحاكمة وتكفيرها لإثارة المجتمعات من أجل الإطاحة بالسلطة الحاكمة، ولقد سعت منابرهم لتشويه صورة المجتمعات في الدول التي انتشر فيها ووسمها بالانحلال، وتفسير ذلك -على حد زعمهم- هو فساد السلطة الحاكمة، ولقد بنيت دعوتهم على كثير من الأكاذيب انطلاقاً من قاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة، ولعل الصراعات بين قيادات الإخوان أنفسهم توضح بجلاء أن التنظيم نفسه يعاني من مشكلات فكرية، وهو ما تسبب في انشقاق العديد من قياداته التي رأت أن التنظيم حاد عن توجهه الدعوي ليتحول إلى أداة سياسية.

المتتبع لتاريخ الجماعات الإسلامية على اختلافها يلاحظ انتشارها الكبير عقب ثورات الدمار العربي، وقد بلغ الاختلاف بين هذه التنظيمات حد الصراع المسلح بسبب اختلاف توجه كل تنظيم عن الآخر، وهو ما يثير علامات استفهام أخرى كثيرة حول سبب تعدد تلك التنظيمات وكأن لكل تنظيم ديناً خاصاً به، فإن كان مرجعهم هو الدين الإسلامي فما هو سبب تعدد تلك التنظيمات، ولم الاختلاف بينها؟!.

الجواب في غاية البساطة، وهو أن لكل تنظيم توجهاته السياسية التي تختلف عن الآخر، وهو ما يؤكد أن هذه التنظيمات -وإن ارتدت عباءة الإسلام- فهي في الأصل تنظيمات سياسية تريد بسط نفوذها حتى لو أدى ذلك إلى الصراع المسلح فيما بينها، وقد تسببت هذه التنظيمات جميعها في تمزيق جسد الأمة بدلاً من أن توحده، أضف إلى ذلك فإن مؤسسي هذه التنظيمات سعوا لتوظيف الدين في صراعاتهم مع الحكومات بحيث يبدو -في الظاهر- وكأن السلطة الرسمية تحارب الإسلام ذاته، وليس التنظيم وقياداته.

يبدأ تفكيك فكر الإخوان وتحليله لعناصره الأولية تمهيداً لفهمه وكشف تناقضاته من الاستعراض التاريخي لممارسات أعضائه منذ بداية نشأته حتى الوقت الراهن، ويشمل استعراض كافة ما كتب عنهم سواء تلك التي سطرها أعضاء التنظيم أنفسهم أو كتبها آخرون عنهم، وسواء كان هؤلاء الآخرون ممثلين للسلطات الأمنية أو أعضاء منشقين أو أفراداً تعاملوا معهم خلال مسيرة حياتهم العملية أو الشخصية، وبعدها يتم تحليل هذه الممارسات وربطها بطبيعة السياسات التي قام عليها الحزب من الأساس.

من الملاحظ أن كل تيار من هذه التيارات المتطرفة يسعى إلى إقصاء بقية التيارات الأخرى من الساحة، كما يسعى كل منهم لقولبة الجميع في إطار قالبه الفكري المحدود، ولهذا يمقت الكثيرون نفاقهم الكريه الذي يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي، الذي يسهل عليهم مخالفة قواعده إن تعارضت مع مخططاتهم، فعلى سبيل المثال القتل العمدي للأبرياء محرم تماماً في الإسلام، غير أن أغلبهم يمارسونه بدم بارد إن خدم قضيتهم وقربهم من السلطة ولو خطوة واحدة.

من اللافت للانتباه أن الكثير من المتعاطفين مع فكر هذه الجماعة لا يربطهم سوى الحقد الذي يضمرونه للفئات الأخرى، فالكره هو ما يجمع بينهم، ومن هنا يجب توخي الحذر عند ملاحظة ميول بعض أفراد المجتمع التي قد تدفعهم للانضمام للجماعات الإرهابية أو حتى لمجرد التعاطف معها، فهؤلاء أشبه بخناجر لا تزال في غمدها، غير أنها على أهبة الاستعداد في أي وقت للانقضاض على الآخرين لتمزيق لُحمة المجتمع في حال سنحت لها الفرصة لفعل ذلك.