ما هي أكبر خسائر إسرائيل بعد ستة شهور كاملة من حربها على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي؟

يعتقد البعض أن الخسارة الأكبر هي الـ1200 شخص سواء كانوا مدنيين أو عسكريين الذين قتلتهم حركة «حماس» في عملية «طوفان الأقصى» فجر السابع من أكتوبر الماضي.

ويعتقد البعض أن الخسارة الأكبر هي المحتجزين الذين زادوا على 253 إسرائيلياً وأجنبياً الذين تم أسرهم خلال «طوفان الأقصى»، ولم تستطع إسرائيل أن تحرر إلا 80 محتجزاً عبر الهدنة التي تمت في نوفمبر الماضي، ولا يزال البقية موجودين في يد الفصائل الفلسطينية سواء كانوا جنوداً أو مدنيين أحياء أو أمواتاً.

ويعتقد البعض أن الخسارة الأكبر هي عدد القتلى من الجنود والضباط الذين سقطوا في العمليات البرية داخل قطاع غزة ووصل عددهم حتى يوم الثامن من أبريل الجاري إلى حوالي 600 جندي وضابط ومئات المصابين.

ويعتقد البعض أن الخسارة الإسرائيلية الأكبر هي في الجانب الاقتصادي، حيث إن عملية تعبئة الاحتياط المستمرة قد وجهت ضربة كبيرة للاقتصاد، وتم تخفيض العديد من المؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية من مؤسسات التصنيف الدولية مثل موديز. والمتوقع تراجع نسب النمو وزيادة العجز في الموازنة، وزيادة معدلات التضخم مما ينعكس سلباً على مستويات المعيشة.

ويعتقد البعض أن الخسارة الكبرى هي أن غالبية سكان مستوطنات غلاف غزة، وسكان غالبية القرى والمدن أقصى الشمال على الحدود مع لبنان وهم حوالي 200 ألف شخص قد تم تهجيرهم خوفاً من عمليات وصواريخ الفصائل الفلسطينية المسلحة أو «حزب الله» اللبناني.

مما دفع عدداً منهم في التفكير للهجرة خارج إسرائيل، أو تكبيد الاقتصاد الإسرائيلي المزيد من الخسائر بسبب التعويضات التي يقدمها لهؤلاء السكان الذين تركوا بيوتهم. كل ما سبق خسائر مؤكدة وكبيرة وحقيقية، لكنها من وجهة نظري ووجهة نظر العديد من المراقبين ليست هي الأكبر أو الأضخم أو الأكثر تأثيراً، لأن معظمها ببساطة يمكن تعويضه بالموارد المالية أو القوة العسكرية الباطشة، لكن هناك خسائر لا تعوض وهي التي تبقى في ذاكرة الأجيال لسنوات طويلة.

في هذا السياق فإن إسرائيل خسرت سمعتها لوقت طويل في المستقبل وربما للأبد. عدد كبير من بلدان وسكان العالم كان يتعامل معها باعتبارها «واحة الديمقراطية المزدهرة وسط صحراء الاستبداد العربي»، كما كانت تزعم دائماً وأنها الدولة المدنية التي لا تفرق بين عربي ويهودي أو درزي أو من الفلاشا.

الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع الفلسطينيين خلال العدوان على غزة كشفت بوضوح أنها تنظر للفلسطينيين باعتبارهم كائنات أقل قدراً، بل هم «حيوانات بشرية» كما قال يوآف غالانت وزير الدفاع، وهم لا يستحقون الحياة وينبغي قتلهم جميعاً، حسب العديد من قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف.

ظهرت إسرائيل أمام العالم كله على حقيقتها ويصعب أن تستعيد الصورة السابقة مرة أخرى إلا إذا أعادت الحقوق لأصحابها الأصليين وهو أمر يصعب تصور تحقيقه.

الخسارة الأكبر الأخرى هي أن الأجيال الجديدة ليس فقط في المنطقة العربية، ولكن في العديد من الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة وبريطانيا قد اكتشفت الحقيقة نفسها، ولم تعد تنظر إلى إسرائيل بنظرة الأجيال الأوروبية القديمة نفسها.

ما يقلق إسرائيل أكثر أن عدداً كبيراً من الشباب الأمريكيين خصوصاً في الحزب الديمقراطي، صاروا ينتقدون إسرائيل علناً ويطالبون بضرورة إقامة دولة فلسطينية، وهو الأمر الذي انتقل إلى العديد من البلدان الأوروبية، خصوصاً بعد قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي قبل أسابيع التي وجهت انتقادات غير مسبوقة لإسرائيل وعدوانها.

الخسارة الأخرى الأكبر هي أن إسرائيل ليست تلك القوة التي لا تقهر، فقد تبين مثلاً أنه إذا قررت الولايات المتحدة وقف الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لإسرائيل، فقد تواجه معضلات وجودية كبرى، وهذه المخاوف هي التي تفسر لماذا أرسلت واشنطن حاملات الطائرات والسفن النووية للشواطئ الإسرائيلية في بداية الحرب، حينما شعرت أن هناك تهديداً وجودياً لإسرائيل.

التهديد الأمريكي ليس وارد الحديث اليوم أو غداً لكنه الورقة التي تلوح بها واشنطن لإرغام إسرائيل على فرملة عدوانها وليس وقفه، حتى لا يؤثر على المصالح الأمريكية العليا، خصوصاً بعد المواقف العربية الرسمية والشعبية الرافضة للحرب، إضافة إلى المخاوف داخل إدارة جو بايدن من تأثيرات العدوان الإسرائيلي على فرص إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل.

في نظر مراقبين كثيرين فإن إسرائيل دمرت قطاع غزة تقريباً، وحولته إلى مكان غير صالح للحياة، لكنها خسرت قطاعات عالمية كبرى لوقت طويل. وأن القضية الفلسطينية يصعب تماماً أن يتم ركنها في زوايا النسيان مرة أخرى.