صنفتْ جامعة ستانفورد بلدنا، هذا العام، في مقدمة دول العالم التي تطور استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي. فالمملكة لمواكبة التطور في هذا المجال أنشأت في عام 2019 الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، التي ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. ويشمل الهيكل التنظيمي لهذه الهيئة: مكتب إدارة البيانات الوطنية، والمركز الوطني للذكاء الاصطناعي، ومركز المعلومات الوطني.

وأنا ذكرت في مقال الأسبوع الماضي «التحدي الذي يحتاج إلى إجابة المخططين» أن المملكة تشهد انخفاضاً في معدل البطالة الذي وصل في الربع الرابع من العام الماضي 2023م إلى 4.4 %، وهذا مستوى منخفض بكل المقاييس العالمية.

إذاً فنحن أمام معادلة: التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي من جهة وانخفاض مستوى البطالة من جهة أخرى. الأمر الذي يعطي لأنصار التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي حجج قوية، على حساب الذين يحذرون من أن استخدام هذا الذكاء سوف يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة. وهؤلاء الأخيرون، مثلهم مثل الأولين، لديهم أنصار ومؤيدون في كافة أنحاء العالم. فالتقارير التي يحاججون بها تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يقارب من 300 مليون وظيفة خلال الفترة القادمة.

ومثلما نعرف، فإن التخوف من كل ما هو جديد ليس أمراً جديداً. فطبيب العيون الروسي المشهور فيودروف، الذي ابتكر علاج ضعف البصر بأشعة الليزر، وأنشأ لهذا الغرض مجمع فيدوروف الطبي لجراحة العيون في شمال مدينة موسكو ذكر، في مقابلة معه قبل مماته، إن هناك بعض ضعيفي البصر من كان يرفض عرضه لعلاجهم باستخدام الليزر- مفضلين العمى على استخدام طريقة جديدة لشفائهم. كذلك، فإن الخطاطين في ألمانيا بعد اخترع غولدسميث يوهان غوتنبرغ المطبعة عام 1440 كانوا يتخوفون من أن هذا الاختراع سوف يدمر حياتهم.

ولكن مثلما برهنت التجربة، فإن التوسع في استخدام الآلة لم يؤدِ إلا إلى تقدم الإنسان ورفاهيته. وإن مسألة البطالة لم تكن إلا مرحلة عابرة ترافقت مع المراحل الأولى فقط. وهذا ينطبق على الذكاء الاصطناعي الذي من المتوقع أن يؤدي التوسع في استخدامه، حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى ظهور 69 مليون وظيفة جديدة خلال المدة القريبة القادمة.

ولذلك، فإن المملكة التي لديها نقص في اليد العاملة مقارنة بالطموحات التي تسعى إليها تحتاج إلى التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل إعادة هيكلة اقتصادها وفقاً لرؤية 2030. فهذا التوسع قد يؤدي على المدى القصير والمتوسط إلى تقلص في استخدام قوة العمل وارتفاع نسبة البطالة، ولكنه على المستوى البعيد سوف يعيد فرمتة اقتصادنا، وإعادة تحميله، وفقاً لمعطيات جديدة ونوعية جديدة متقدمة، قائمة على تعدد المزايا النسبية وتقليل الاعتماد على النفط، وهذا هو ما نطمح إليه.