أذهب، عند شراء كتاب مُستعمل إلى قراءة ما هو مكتوب على هوامش الصفحات.. تلك الكتابة التي تركها القارئ الآخر الذي سبقني للكتاب، وغالباً ما تكون تلك الهوامش مكتوبة بقلم الرصاص. غير أن هناك أيضاً هوامش مكتوبة بالحبر الصيني الأسود،.. ويا لهذا الحبر.. كم أحبه، وكم أكتب به بأقلامي السائلة حتى اللحظة.

- في «المثولوجيا المندائية» للشاعر الباحث د. خزعل الماجدي أقرأ قصة ملك مندائي يسمى (أباثر) يأمر ابنه (بثاهيل) لكي يخلق صلابة في وسط الماء الأسود، فيفشل الابن، فيشتكي إلى والده، فيرد عليه: «.. أيها الأحمق، إياك أن تجعل مني مماثلاً لك:.. خذ بعضاً من الأقمشة السبعة ذات البهاء والنور والعظمة التي كنت أنا قد غطيتك بها، واقذف بها إلى الماء الأسود.. لكي تتألف الصلابة»..

- يقول شاعر الهايكو (يوسا بوسون 1716-1783) من ترجمة: محمد عضيمة..«اقشعر بدني لما دعست في غرفة النوم على مشط زوجتي الراحلة».

وقد اقشعر بدني أنا القارئ لهذه الهايكو الصغيرة فأعدت كتابتها بالحبر الأسود على ورقة تشبه ورق البردي.. واحتفظت بها..

- يكتب (إميل زولا 184-1902) = ترجمة: دانيال صالح مقطعاً عن الحب في إحدى قصصه القصيرة، ويقول: «يا روحي الحبيبة. كنت تضفين حلاوة على حزن أمسياتي الكئيبة، كان لك جمال تلك التلال الموحشة، شحوبها الرخامي الذي يشتعل لهباً تحت قبلات الشمس الأخيرة. لست أدري أي فكرة خالدة كانت تجعل جبينك يشمخ وعينيك تتسعان».

اليوم، بعد أكثر من مئتي عام على مثل هذه الكتابة،ألا يوجد في العالم حب يصنع للبشرية إميل زولاآخر؟

-أردت أن تعرف كيف يتكوّن المسك داخل الغزال، فلا تذهب إلى البحث العلمي الساذج، بل اقرأ، وبهدوء، فريد الدين العطّار، خير من يدلك إلى العطر هو العطار، وليس الكيميائي.

- «لم أرَ صنوبرة تبيع ظلها إلى الأرض» يقول سهراب سبهري باختصار مكثّف مثل تكثف نقطة ماء على برعم.. هذا شكل جميل بسيط من أشكال الشعر..

-على الرغم من الأكاذيب العديدة التي جاءت على شكل حكايات قصيرة لمؤلفها (صولخان سابا أوربيلياني 1658-1725) = ترجمة: نزار خليلي=.. إلا أنه بمقدورك أن تلتقط من كل هذه الأكاذيب بعض اللمعات الحكمية الصحيحة.. مثلاً: «احذر العدو الوضيع الخبيث»، وفي مكان آخر: «الحجر الذي يتدحرج لا يجمع الماء».