يعتقد رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك بأنّه أخيراً امتلك المفتاح السحري لحل مشكلة تزايد أعداد المهاجرين غير القانونيين في بريطانيا، بعد أن تمكنت حكومته، بنجاح مؤخراً، من تمرير مشروع قانون بترحيلهم إلى رواندا عبر البرلمان بغرفتيه، وحظي بالختم الملكي، وصار قانوناً.

بناءً على حكم صادر عن محكمة عليا بريطانية، اعتُبرتْ رواندا بلداً غير آمن لترحيل طالبي لجوء سياسي، أو إنساني. الدعوى القضائية رفعها نشطاء حقوقيون. ورداً على الحكم القضائي، لجأت الحكومة إلى صياغة مشروع قانون يهدف إلى اعتبار رواندا بلداً آمنا يحقّ ترحيل مهاجرين غير قانونيين إليه من بريطانيا. وهي سابقة غير معهودة. أي أن تلجأ حكومة إلى إصدار قانون يقرر أن بلداً ثالثاً آمناً، ويمنع رفع أي دعوى أمام القضاء تقول بعكس ذلك!!

في المؤتمر الصحافي الذي عقده، بمقر مكتبه في لندن، في بداية الأسبوع المنصرم، أكد سوناك أن الترحيل سيبدأ بعد فترة تتراوح بين 10 - 12 أسبوعاً، من صدور القانون. ولن تستطيع أي محكمة أجنبية إيقافه. بالأخيرة، عنى السيد سوناك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أوقفت في شهر يونيو (حزيران) 2022 انطلاق أول رحلة ترحيل إلى رواندا. وهذا يعني أنه وأعضاء حكومته وحزبه على استعداد لتجاهل القانون الدولي الخاص بحماية اللاجئين.

ومن جهتها، قالت وزارة الداخلية البريطانية إنها أعدت قائمة بعدد 300 طالب لجوء لترحيلهم إلى رواندا. تكاليف الترحيل وفقاً لتقارير إعلامية تبلغ 540 مليون جنيه إسترليني، أي 1.8 مليون جنيه إسترليني تكاليف ترحيل كل واحد منهم!

من كان يصدق أن تكون دولة رواندا، ذات يوم، حَلاً لأي أزمة، فما بالك بأزمة ترحيل لاجئين، وهي التي كانت منذ عقود قليلة مضت مقراً لواحدة من أسوأ الأزمات في أفريقيا والعالم، ممثلة في جرائم التنظيف العرقي التي ارتكبتها قبائل الهوتو ضد مواطنيهم من قبائل التوتسي؟

الذين يقولون إن العالم يتقلب ولا يتغيّر عليهم مراجعة قناعاتهم أكثر من مرّة، والسعي للإحاطة بما جرى ويجري في بريطانيا، من كرّ وفرّ بين الحكومة من جهة والبرلمان والنشطاء الحقوقيين، والمنظمات ذات الصلة بحقوق اللاجئين من جهة أخرى. وإلى حدّ الآن، تمكنت الحكومة من إزاحة العقبة البرلمانية، ممثلة في معارضة مجلس اللوردات، وحظيت بما تريد.

يجادل الحقوقيون ومنظمات اللاجئين بقولهم إن الترحيل غير ضروري ومن دون فاعلية، وغير إنساني، ويتعارض مع القانون الدولي، ويضرّ بسمعة بريطانيا، ومكلف مالياً، والأجدى بالحكومة التفكير في صياغة مشروع قانون إنساني للهجرة. الحكومات البريطانية خلال السنوات الأخيرة جربت حلولا كثيرة، ودفعت أموالاً هائلة لفرنسا بغرض المساعدة في إيقاف نشاطات مهربي البشر عبر شواطئها. كل الحلول وصلت إلى زقاق مسدود، ولم تنجح في إيقاف تدفق قوارب المهاجرين عبر القنال الإنجليزي قادمين من فرنسا. وخلال هذا العام ازدادوا بنسبة 24 في المائة مقارنة بأعداد من وصلوا في نفس الفترة من العام الماضي. أضف إلى ذلك، تؤكد تقارير إعلامية أن عدد 40 ألفاً منهم اختفوا عن أعين الأجهزة الأمنية البريطانية.

رئيس الحكومة السيد سوناك يرى في الترحيل جسر نجاته الأخير، إيفاءً بوعد قطعه لدى تسلمه السلطة بوقف قوارب المهاجرين غير القانونيين القادمين عبر البحر إلى بريطانيا. ويؤكد أن الترحيل إلى رواندا سيعمل رادعاً ضد قدوم مهاجرين جدد. لكن، يقول معلقون: العبرة بالنتائج في عالم السياسة. والردع المتوقع قد لا يحدث مطلقاً. ولم يتغير موقف الحكومة السيئ في استبيانات الرأي العام، وشعبية رئيسها سوناك ما زالت تحت الصفر بأرقام عديدة. وما زالت هناك مرحلة التقاضي في المحاكم بين محامي الحكومة ونظرائهم من ممثلي النشطاء والمنظمات الدولية. وقرأت أن الحكومة خصصت عدد 25 محكمة للنظر في القضايا التي سترفع ضد الترحيل أمام المحاكم في المدة القريبة. ولم يتم بعد الاتفاق مع شركة طيران للقيام بالمهمة، نظراً لتردد الشركات في قبول المهمة، خوفاً من تأثيراتها السلبية على السمعة التجارية، وتفادياً لأي انتهاك للقانون الدولي.

الجدير بالتذكير أن الملاجئ الرواندية المقترحة، استناداً إلى تقارير إعلامية، لن يصلها إلا عدد صغير لا يتجاوز مئات قليلة من مجموع عشرات الآلاف من المهاجرين. وبالتالي، فإن رواندا لن تكون مفتاحاً سحرياً يفتح مغالق أبواب مستغلقة أمام السيد سوناك وحزبه لأزمة بتداعيات ديموغرافية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية، وقانونية. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فكما يحاول السيد سوناك الغريق التعلق بقشّة رواندا على أمل استعادة ثقة الناخبين البريطانيين، سيحاول المهاجرون المرحّلون إلى رواندا بدورهم التعلق بقشّة الأمل في العودة ثانية إلى أوروبا، بعد وصولهم رواندا. وهذا بدوره سيدخل بهجة على قلوب تجار تهريب البشر وهم يرون تجارتهم تزداد أرباحاً وانتشاراً، لأنهم هم من سيتولون إعادة المرحلين، عبر الحدود والصحراء والبحر، إلى أوروبا.