عند مغيب يوم مشمس، دخلت إلى أحد الأحراش البريطانية التي حُفّت بالأشجار. وبينما كنت أتوغل فيها بدد الهدوء صوت خشخشة قوية بين الحشائش، التفت إلى صديقي الإنجليزي وقال بابتسامة وبرود بريطاني: لا تقلق ليست هناك أفاعٍ سامة في بريطانيا.

وبالفعل، يُعرف عن المملكة المتحدة أنها تخلو من الثعابين الخطيرة، حسب «متحف الطبيعة البريطاني» (NHM). وعندما احتل الإنجليز الهند أزعجتهم كثرة الأفاعي المروعة. فجاءوا بمقترح «حضاري» يكافئ فيه كل من يقدم «كوبرا» إلى السلطات الإنجليزية اعتقاداً منهم أنه سيحل المشكلة لكن الهنود صاروا «يُربون» الأفاعي فتكاثرت وأُسْقِطَ في أيدي الإنجليز. سُمي ذلك بـ«تأثير الكوبرا» (cobra effect)، وهو ما يرمز إلى أن بعض الحلول (أو القرارات) تفاقم المشكلة.

‏حدث ذلك في الصين عام 1979 عندما طبقت سياسة إنجاب الطفل الواحد بحد أقصى، ومن يخالفها يعرض نفسه لعقوبات تتفاوت بين الغرامات والطرد من الوظيفة والإجهاض والإخصاء، غير أنها تراجعت عنها تدريجياً ابتداءً من عام 2000، ثم تخلت عنها نهائياً عام 2015 وسمحت بطفلين. وهذا دليل على أن القرار كان يشوبه خلل ما، حيث كان الجيل الواحد يتكبد عناء تحمل مسؤولية نفسه ووالديه وأجداده الأحياء، فضلاً عن استفحال أزمة الشيخوخة في البلاد.

وفي الحرب العالمية الثانية استخدم المبيد الشهير «دي دي تي» للقضاء على الحشرات الناقلة للملاريا، الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في خطبته بالبرلمان بأنه «إكسير الحياة والمركب المعجزة»، حيث أنقذ آلاف الجنود في معركة العلمين غرب الإسكندرية عام 1942، التي أحدثت نقطة تحول، حيث انتصر الحلفاء بقيادة البريطانيين على دول المحور بقيادة ألمانيا النازية. غير أن هذا المبيد قد مُنع استخدامه لاحقاً لخطورته.

وفي الهند أيضاً، طبقت دلهي سياسة صارمة للسيطرة على انبعاثات العوادم بتحديد أيام معينة لقيادة السيارات بناءً على رقم لوحة السيارات التي تنتهى لوحاتها المعدنية برقم فردي، وذلك بقيادتها في أيام محددة بالتبادل مع ملاك الأرقام الزوجية. غير أن ما حدث كان زيادة شراء سيارات جديدة! فتدهورت الخطة وتلاشت معها آمال كبح جماح التلوث! ولذلك يعجبني النظام المروري الذي يَدْرِس سلوكيات قائدي المركبات بعد فتح أو إغلاق تحويلة معينة فإذا ما وجدوا فائدة منها عمموا التجربة. وهذا ما ينطبق على سائر القرارات.

والأمر يحدث في قرارات الغرب الذي يعجل بحلول سرعان ما يكتشف الناس عدم وجاهتها. وهذا دليل على أن السياسيين وغيرهم حينما يروجون لحلول لا يعني ذلك بالضرورة رجاحتها. فكم من سياسة متسرعة في التعليم والاقتصاد والرياضة جاءت بنتائج مخيبة للآمال. وكم من قوانين متهورة برفع ضرائب أثرياء دفعت المستثمرين لبلد جار صار ينعم بخيراتهم. وفي نيويورك مثلاً رأت سلطات المدنية في منتصف القرن العشرين تجميد الإيجارات حتى تصبح أسعار المساكن في متناول الجميع. غير أن هذه السياسة تفاقمت وأدت إلى العزوف عن الاستثمار، ونقص في الصيانة، فتدهورت خدمات الأحياء السكنية.

«تأثير الكوبرا» أو القرارات التي تفاقم المشكلة تحدث على مدار الساعة، وهي دليل على اجتهادات البشر. المشكلة ليست في الاجتهاد، بل بالتسرع في الوصول إليه من دون منحه الدراسة الكافية وفترة تجربة على نطاق ضيق قبل التعميم على قطاع عريض من الناس. ولذلك يقول المثل الروسي: «قِسْ سبع مرات، واقطع مرة واحدة»، ويقول أبو العتاهية: «فكر قبل أن تندم».