هذه بضع ملاحظات عن تقديري النسبي لدور القوى الديمقراطية في عراق مقبل.

1. مسح عام

المقصود بالقوى الديمقراطية او (التيار الديمقراطي) الكتل والأحزاب السياسية التي تؤمن بالديمقراطية وتعمل لإرسائها في العراق. وهذه القوى ليست واحدة في الاتجاهات والأفكار والممارسات، ولكن يجمعها هدف الديمقراطية الكبير ولو عدنا مثلاً الى المسيرة السياسية للعراق الحديث ، وصولاً الى إجازة عدد من الأحزاب بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لرأينا التالي: هنالك الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجي ومحمد حديد، وكان منشأه في الثلاثينات. وهو حزب وسطيّ ، إن صح التعبير، ولكنه لعب دوراً مهماً في الحياة السياسية. ويقترب من هذا الحزب حزب الأحرار بزعامة سعد صالح ، وأيضا الحزب الوطني لجعفر أبو التمن (الثلاثينات) وشخصيات مثل محمد رضا الشبيبي . وهناك حزب الشعب بزعامة عزيز شريف وحزب الاتحاد الوطني بزعامة عبد الفتاح إبراهيم ، وكانا اقرب لليسار الماركسي وقيادة عزيز شريف انضمت الى الحزب الشيوعي في أواسط الخمسينيات . أما على يسار الجميع فالحزب الشيوعي نشأ عام 1934 باسم أخر ثم بدل اسمه تلبية لطلب الأممية الشيوعية. ولقد لعب أدوارا كبيرة في الحياة السياسية والتطور الاجتماعي في المدينة والريف.

 

2. تهميش القوى الديمقراطية.

وصل عراق اليوم الى مرحلة صعود الأحزاب الإسلامية وتهميش الأحزاب الديمقراطية. فالنظام ألبعثي مارس قمعاً مستمراً ضد هذه الأحزاب ، ولما سقط حلت محله أحزاب الإسلام السياسي المعادية أصلا للديمقراطية والعلمانية ولحقوق المرأة وحقوق القوميات. ومنذ الخمسينيات برز التيار القوي مثلاً من حزب البعث والناصرية والقذافي والذي فشل في السلطة وتسبب في كثير من الكوارث. وعلى أنقاض التيار القومي صعد التيار الإسلامي بفروعه ومذاهبه ، ولا سيما حركة الأخوان والخمينية، ثم في العراق... فازداد تهميش القوى الديمقراطية لصعود النزعات الدينية المتطرفة والمشاعر الطائفية. وجدير بالذكر أن محاولات إنشاء أحزاب إسلامية ذات شعبية منذ العشرينات والى ثورة 14 تموز قد فشلت ، إذ لم تكن هناك غير بعض تجمعات إخوانية صغيرة ، ونشأ حزب الدعوة سراً لمحاربة الثورة ، وتحالف في ذلك مع الحزب الإسلامي الاخواني المجاز. ولكنها لم يتمتعا بشعبية حقيقية. وها ان أحزاب الإسلام السياسي في العراق والمنطقة تفشل وتقود الى المآسي والتراجع والإجهاز على منجزات الماضي كقانون الأحوال الشخصية مثلاً. ان هذا الفشل لابد أن يكون له رد فعل شعبي يوماً ما ، مما يساعد على عودة صعود التيار الديمقراطي.

 

3. أن صعود التيار الديمقراطي مستقبلاً في العراق يعتمد على جملة ظروف وعوامل ومستلزمات محلية وإقليمية ودولية. مما يتطلب التأملفي دروس وتجارب الماضي والاستفادة من الأخطاء والاعتراف بها. ومطلوب التكيف مع المستجدات وليس الانكفاء على قوالب وكليشاتبعينها، ويستلزم توضيح الأهداف شعبياً والعمل السياسي الواضح والصريح، والمرونة في التكتيك. ولو أخذنا الحزب الشيوعي مثلاً، وهو ذو ماضي عريق فان المطلوب منه التخلي عن بعض الصيغ القديمة ، مثل (يا عمال العالم اتحدوا) و(المنجل والمطرقة) وما أشبه، بل يكون ضروريا تغيير الاسم نفسه. ونذكر أن حركات تجديدية في الحركة الشيوعية العربية قد ظهرت ، ومن روادها مثلاً عبد الكريم مروة ورياض الترك وعامر عبد الله ، ولكن هذه الحركات ظلت محدودة.

أخيرا ، فان الموضوع يتسع للمزيد من التأمل والتفكير، وقد نعود إليه في مقال آخر.