وصل خلال هذا الأسبوع وفد كوردي يمثل الأغلبية الساحقة للأحزاب والكتل السياسية الكوردستانية بما فيها ممثلي الحزبين الرئيسين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني للحوار مع الدولة العراقية ومراكز القرار في بغداد حول الاستفتاء الشعبي العام في كوردستان من اجل الاستقلال وبغض النظر عن الطروحات بدستورية او عدم دستورية الاستفتاء فان الحقيقة التي يجب ان تستوعبها بغداد هي ان اجبار الكورد على البقاء ضمن الحدود المتهاوية للدولة العراقية لم يعد ممكنا فقد اثبتت احداث ما يقارب المائة عام على عقم الشراكة المزعومة في الوطن رغم ان الشعب الكوردي وقياداته الوطنية قدمت ما في وسعها من اجل العراق وبقائه موحدا اعتبارا من الفرصة التاريخية التي تسنت للكورد لفك الارتباط بالعراق عام 1991 بعد صدور القرار الدولي 968 والحضر الجوي المفروض على المناطق الكوردستانية والنتائج المترتبة عليه فقد عاد الكورد للحوار مع بغداد رغم ان قضيتهم كانت قد وصلت الأمم المتحدة لأول مرة ودخلت في خانة الازمات الدولية كما صرح بذلك كيسنجر للرئيس العراقي السابق السيد جلال طالبني عندما التقاه في باريس والمرة الثانية التي وقف الكورد الى جانب العراق الاتحادي كان بعد سقوط النظام الدكتاتوري وكان في امكان الشعب الكوردي ان يعلن الانفصال ولكن حرصه على التآخي العربي الكوردي ومن اجل إعطاء الفرصة للنظام الجديد على تطبيق الدستور الاتحادي وتكريس الشراكة الوطنية وبناء دولة القانون والمساواة والمواطنة ولم يتحقق أيا منها بل على العكس مارست الدولة العراقية كل السبل لحرمان الشعب الكوردي من حقوقه المشروعة وانتهت الى ابعاد الكورد من مراكز القرار وفرض الحصار الاقتصادي على كوردستان والعودة الى نفس الممارسات السابقة للنظام الدكتاتوري المقبور بما فيها التهديد باجتياح كوردستان ومواصلة سياسة التعريب العنصرية وتغيير الواقع السكاني في ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها. 

التجربة المرة للشعب الكوردي اثبتت بما لا يقبل الشك ان تغيير الحكام في بغداد لا يضمن حقوقهم وان مستقبلهم مهدد دائما من قبل العقليات العنصرية والطائفية وان أي حديث عن الشراكة الوطنية هو محض دجل وخرافة ولم يعد هناك من يصدقها ولذلك وحفاظا على حقوقه المشروعة ومستقبل الأجيال القادمة فان شعب كوردستان سائر نحو الاستقلال والاعتماد على نفسه في بناء بلده وهو عندما يلجأ الى الحوار السلمي يثبت مرة أخرى لمن يريد ان يفهم حرصه على أرواح العراقيين واموالهم ومستقبلهم من خلال الحيلولة دون وقوع حرب أهلية طاحنة يبشر بها بعض اقطاب النظام في بغداد الذين يعيشون أفكار وعقليات الاستعمار الاستيطاني وإمكانية صهر شعب كوردستان في بوتقة العنصرية وإعادة احتلال كوردستان ونهب ثرواتها.

المصالح العليا للشعب العربي في العراق تتطلب مواجهة حقيقة ان العراق لم يكن طيلة تاريخه موحدا الا بقوة السلاح والعنف والابادة والمقابر الجماعية وان له ان يتخلص من هذه العقدة ويتخذ موقفا حضاريا يؤسس لعلاقات حسن جوار وتعاون وثيق مع الجارة كوردستان وبذلك سيخدم مصالحه الوطنية أكثر بكثير من السقوط في دوامة العنف التي اثبت التأريخ عقمها وعدم جدواها وكلف الشعب العربي كما الكوردي الكثير من الضحايا في الأرواح والممتلكات وفي إقامة مجتمعات متصالحة مع نفسها ومع الاخرين.

الواقعية والمنطق والتجربة كلها تؤكد على ان التقسيم الودي والحل السلمي واعتراف العراق بحقوق شعب كوردستان في الحرية والاستقلال هو الضمان لمستقبل أفضل بين الشعبين والكرة الان في ملعب الدولة العراقية التي عليها ان تستقبل الوفد الكوردستاني بعقلية منفتحة وان تستغل هذه الفرصة للوصول الى حل سلمي نهائي يعترف بالجارة دولة كوردستان الديموقراطية.

[email protected]