بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة الإماراتية في الثامن والعشرين من أغسطس، عكست الكلمات والمواقف والآراء كافة مكانة المرأة في دولة الامارات وحرص الجميع على استمرارية مسيرة تمكين المرأة ومنحها قوة دفع إضافية، وهذا الأمر يجسد قناعة متجذرة بدور المرأة الحيوي في تنمية المجتمع وتطوره، وهذا الأمر ليس وليد الساعة، بل يذرب بجذوره في عمق تاريخ الدولة الاتحادية، أي منذ سنوات التأسيس الأولى.

تمكين المرأة في دولة الامارات ليس شعاراً براقاً لتجميل وجه الدولة في التقارير والإحصاءات الصادرة عن المنظمات الدولية، فانطلاق مسيرة نهضة المرأة الإماراتية قد بدأ قبل ظهور هذه التقارير التي حصلت على أهمية متزايدة منذ بداية عام 1990 فقط، وقبل ذلك كانت هناك أطر قانونية وتشريعية دولية تؤسس لدول المرأة وحقوقها في المجتمعات، ولكن لم يكن هناك تسليط للضوء على هذه المسألة في العلاقات الدولية.

الأمر في مجمله يرتبط بالسياسة وظهور ما يعرف بالقوة الناعمة للدول، وهو المفهوم الذي لاح بقوة في آفاق السياسة الدولية بداية من العقد الأخير في القرن العشرين، حيث استخدمه المفكر السياسي الأمريكي جوزيف ناي للمرة الأولى في عام 1990، ثم انتشر المصطلح بقوة في الأوساط البحثية والأكاديمية حتى ظهر كتاب ناي المعنون "القوة

الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية" Soft Politics World In Success To Means The Power:، عام 2004، ليضع تعريفاً علمياً دقيقاً للقوة الناعمة ويعرفها بأنها "القدرة على تحقيق ما تسعى إليه من أهداف عن طريق الاقناع والقبول والجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال"، أي قوة النموذج الثقافي، الذي تستطيع الدول تشكيله بحيث تصبح مثار إعجاب الدول الأخرى، فتتطلع إلى تبني مواقف واتجاهات إيجابية تجاه روزنامة القيمة والأفكار التي تتبناها الدول موضع الاعجاب والتقدير. وتنوعت وتعددت مقومات الجاذبية الثقافية، وشملت تمكين المرأة ودورها في المجتمعات، والحقوق التي تحصل عليها إلى أن وصلنا إلى صيغة التوازن بين الجنسين، التي باتت تمثل أحد مقومات تحذر الدول وتقدمها في القرن الحادي والعشرين.

المؤكد أن القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، قد استبق هذه المفاهيم حين خطط لبناء دولة نموذج تعتمد بشكل كبير على القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية، وتراهن على دور المرأة كشريك للرجل في التنمية، انطلاقاً من الفطرة القويمة والفلسفة العميقة التي كان يمتلكها، طيب الله ثراه.

لذا، فقد قطعت الامارات شوطاً كبيراً في بناء ومراكمة مصادر القوة الناعمة قبل أن ينتهي العالم من مرحلة الحرب الباردة والصراعات القطبية، وينتبه إلى البعد الإنساني في العلاقات الدولية، فمؤشر التنمية البشرية الذي يقيس

مستويات الرفاهية لدى الشعوب، ويصدر له تقرير سنوي قد ظهر في الأمم المتحدة عام 1990، بغرض تشجيع التنمية البشرية. وكان هذا المؤشر يقيس في البداية متوسط العمر المتوقع للمواطنين في دول العالم ومستوى التعليم والأمية والمستوى المعيشي في مختلف أنحاء العالم ويرتب الدول بناء على ما تحققه من تقدم في هذه المؤشرات، ثم أضاف إليها مؤشر تمكين المرأة الذي عرضه تقرير التنمية البشرية العالمي للمرة الأولى عام 1995 لقياس التمكين السياسي للمرأة في الدول والمجتمعات.

النموذج التنموي الاماراتي قد انطلق منذ بدايته اعتماداً على قناعات ذاتية راسخة بقيمة دور المرأة وأهميتها كشريك في مسيرة النهضة والبناء، وحرصاً على الاستفادة من طاقات المجتمع كافة، لاسيما وأن الامارات من الدول التي تعاني ندرة في مواردها البشرية، فكان التركيز على دعم المرأة وتشجيعها على التعليم والعمل جنباً إلى جنب مع شقيقها الرجل مع الحفاظ على هويتها وقيمتها ومبادئها الأخلاقية والدينية، في مجتمع محافظ يمثل تفكيراً خارج الصندوق، وبات يمثل بمرور السنوات نموذجاً في تنمية الموارد البشرية وتوظيف الثروة وتسخيرها في خدمة الانسان.

محصلة هذا التفكير الاستباقي للقيادة الرشيدة منذ بداية مرحلة التأسيس في دولة الامارات، هي المسافة الزمنية التي تضفي على النموذج الاماراتي القدر الأكبر من التميز والريادة إقليمياً ودولياً، وهنا يبرز دور القادة المؤسسين الذين امتلكوا القدرة على استشراف

المستقبل، وفي مقدمتهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وشريكة البناء والتأسيس سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة "أم الإمارات"، التي امتلكت رؤية ثاقبة وبادرت بمأسسة العمل النسائي في دولة الامارات منذ فبراير عام 1973، حين أسست سموها "جمعية نهضة المرأة الظبيانية"، لتكون أول تجمع نسائي في دولة الإمارات، وبعدها بعامين تقريباً قامت سموها بتطوير هذا العمل المؤسسي ليجسد الإطار الاتحادي الدستوري، فأسست الاتحاد النسائي العام في الثامن والعشرين من أغسطس عام 1975، وهو التاريخ الذي اعتبرتها سموها بعد ذلك في مبادرة كريمة منها يوماً وطنياً للاحتفال بإنجازات المرأة الإماراتية.

يتضح لنا من خلال سرد سريع لانطلاقة المرأة في الامارات أنها محظوظة بدعم ومساندة قيادتنا الرشيدة منذ القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهذا الدعم تواصل واستمر واكتسب قوة دفع جديدة في عهد التمكين، في ظل رعاية ودعم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله.

هذا في مجمله يفسر تميز مسيرة تمكين المرأة في دولة الامارات، ويوضح لماذا تتصدر المرأة الإماراتية مشهد العمل في الكثير من قطاعات الدولة، فهناك ثقة لا محدودة من القيادة الرشيدة، يوازيها جهد وإصرار ومثابرة من بنت الامارات ليس لتأكيد واثبات جدارتها بهذه الثقة فقط، ولكن للإسهام في رحلة التميز والابداع الذي تتطلع إليه إمارات القرن الحادي والعشرين.