اخطاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط عموما وفي العراق خصوصا فصل من اهم فصول التاريخ السياسي في المنطقة العربية. الولايات المتحدة نفسها تعيش حالة انفصام غير مسبوق بين عهد اوباما هذا الرئيس الامريكي الذي مثل وهم اخلاقيات الديمقراطية الامريكية وانبعاث الحلم الامريكي وهذا السياسي المحنك الذي حقق للولايات المتحدة وحلفائها ما لم يحلموا به باستخدام مقاربته عن القوة الناعمة (soft power) ودورها واثرها في تحقيق اهداف السياسة الخارجية الامريكية ، وبين عهد ترامب هذا الرئيس الامريكي الذي يمثل الوجه الحقيقي للرأسمالية الامريكية اليمينية القاسية والمتعالية والشعبوية وهذا السياسي المتخبط الذي خسر بسهولة حلفاء الولايات المتحدة وحولهم الى اعداء ومنافسين باستخدام مقاربته الاقتصادية و التجارية المتغطرسة (امريكا اولاً ) ، والتي تعني ان كل قوة وجهود الولايات المتحدة يجب ان يتم تسخيرها لصالح الاقتصاد الامريكي القوي والمتماسك لانه هو معيار بقاء الولايات المتحدة كقوة عظمى. وبالتالي قضايا نشر السلام والديمقراطية وكل تلك الشعارات التي كسرت رؤوس وكراسي في الشرق الاوسط صارت من الماضي بل ومن زمن الديناصورات .

اوباما هو اخر جيل حلم القوى العظمى الصالحة التي تدعم الصالحين (بالمعايير الامريكية) ضد الاشرار بالمعايير الامريكية ايضا ، وترامب هو اول جيل جديد من الزعماء والسياسيين الغربيين اليمينيين الذين ينظرون الى الشرق الاوسط وقضاياه على انها عبء ثقيل حان الوقت للتخلي عنه وتركه يحترق وحده .

العراق كما كان المكان الذي دشنت فيه الولايات المتحدة عصر الديمقراطية الامريكية والحريات والدفاع عن حقوق الاقليات وكل هذه العبارات الرنانة التي انطلقت شرارتها في كارثة غزو العراق ٢٠٠٣ وتصاعدت وبلغت اقصى مراحلها في زمن اوباما الذي نثر بذور الربيع العربي التي ازهرت انظمة اشد تطرفاً ودكتاتورية من تلك القديمة التي انهت الولايات المتحدة عقود صلاحيتها.

العراق ايضاً سيكون المكان الذي ستدشن فيه الولايات المتحدة عصر (الشرق الاوسط المضطرب) وهو الوصف الذي اطلقة ترامب على المنطقة معلناً ان الولايات المتحدة لن تقدم بعد اليوم طلقة واحدة لحماية او استقرار المنطقة وان مسوؤلية امن دول الشرق الاوسط المضطربة سيكون بيد شعوبها .&

طبعا ترامب لا يقصد الدول القوية في الشرق الاوسط انه يقصد حالات الشرق الاوسط المزمنة والتي تكاليف علاجها بالنسبة لترامب لا تتوازن مع اهميتها. فالعراق الذي حطمته مغامرات الولايات المتحدة غير المحسوبة ، تحول الى عبء على السياسية الخارجية الامريكية وفق منظور ترامب.&

في زمن الرئيس اوباما ساعدت مرحلة العشق الممنوع بين الايرانيين والامريكان في ازدهار المليشيات المسلحة المدعومة من الحرس الثوري الايراني. ووجدت الولايات المتحدة في هذه المليشيات مخرجاً لمشكلة التكاليف الباهضة لحماية امن العراق، وهذا ما حصل فعلاً لان هذه المليشيات كانت عنصراً حاسماً في الحرب على داعش . ولكن زمن اوباما انتهى وانتهت مهمته ووعوده واحلامه وتحالفاته، واصبح العراق وحيد تحت رحمة هذه المليشيات التي صارت تشارك في السياسة وادارة الدولة .

احوال العراق السياسية تشير الى انتهاء عصر اوباما وانبثاق شتاء ترامب الذي تخلى بسعادة عن مغامرات سابقيه في العراق وسرعان ما سيعلن ان اضطراب العراق ملف مرفق بالملف الايراني فاما ان تعاقب الولايات المتحدة العراقيين معاقبه الايرانيين او ان يترك العراق لكي يحترق بنيران الايرانيين انفسهم الذين هم ايضا يرون بان حرق العراق هو افضل عقاب للامريكان ووجودهم في المنطقة.&

كل الاحداث التي تجري في العراق مع الاسف تبشر بعصر العراق المضطرب الذي سيكون ساحة لتصفية الحسابات المتراكمة بين الولايات المتحدة والقوة الاقليمية . اخيراً، ترامب &سيعي بعد حين مدى فداحة وخطورة تحويل العراق الى مكان اضطراب فالذي لم يفهمه ترامب ان العراق هو اهم عقد الصراع في الشرق الاوسط والصراع مع ايران الطامحة التي تنظر للعراق بانه جدار الصد الاخير ، وان الايرانيين اذا نجحوا في اخراج الامريكان من العراق فان سائر القواعد العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة في المنطقة سوف تتعرض للخطر والتهديد المباشر. وكما كان العراق في غفلة من الزمن نصر الامريكان الموهوم في الشرق الاوسط ربما سيصبح - في ذات الغفلة - مكاناً لهزيمة امريكية كارثية.