وانا اتابع مجريات اختيار رئيس الجمهورية ثم تكليفه عادل عبدالمهدي لتشكيل الحكومة وما تبعها من بيانات وتصريحات&ومناقشات&حول&كيفية&اختيار الوزارء وملء المناصب الحكومية، تذكرت مقولة لأحد مسؤولين الاكراد اشتهر بها ابان التسعينات من القرن الماضي عندما سئل عن رؤيته للوضع الكردي في اقليم كردستان&الذيكان يشهد احترابا&داخليا،&فكان رده:" انا متشائل" وهي&عبارة&تعني انه كان متفائلا ومتشائما في الوقت نفسه.

انما اردت&من&التذكير&بهذه المقولة&ان&ابين انه&ليس&من المنطق&الاكثار&من&التفاؤل حيال&تشكل&الحكومة المنتظرة التي يقبل العراق عليها&او&حيال&نجاحها في مهامها الجسام، فهي تختلف&في كثير من التفاصيل&عن سابقتها منذ 2003 كالتحديات التي تنتظرها او الاسسس التي ستستند&عليها وحتى طريقة تمثيل الاطراف السياسية فيها&واعتمادها على شخصيات تكنوقراط كما هو مؤمل&وهو امر يدعو للتفاؤل، ولكن الاختلاف قد لايكون بالضرورة مؤشرا على التميز والتفوق.

فبالعودة الى&الخطوات الاولى لمسيرة&انطلاق الحكومة، نجد انها جاءت مغايرة للنمط المعهود،&اذ شكل اختيار رئيس الجمهورية نقطة تحول في مسار&المشاهدالمتكررة لتشكيل الحكومات المتعاقبة منذ سقوط النظام العراقي بعد عام 2003،&حيث كان رئيس الجمهورية&يأتي&في جميع الكابينات الوزراية من المكون الكردي&وتجمع عليه الاطراف السياسية&الكردية&دون اشكال، اما ما رأيناه هذه المرة مساء الثاني من تشرين الاول (اكتوبر)&والمنافسة الحادة بين اكبر حزبين كرديين&للظفر بالمنصب&قد غير الكثير من المعادلة، ولا احد يدري كيف ستكون&انعكاساته على اقليم كردستان&داخليا&والعراق عموما في ظل&البيانات والتصريحات المنتقدة لآلية الاختيار من قبل مسؤولي الحزب الديمقراطي الذي خسر مرشحه الصراع في عملية التصويت تحت قبة البرلمان&وتهديد بعض مسؤولي الحزب هنا وهناك بعدم التعامل مع رئيس الجمهورية المنتخب!

وسبق رؤية هذا المشهد ايضا في عملية اختيار رئيس مجلس النواب الذي يشكل احدى الرئاسات الثلاث في البلاد، اذ كان&من&المعتاد ان تختار الاطراف السياسية من المكون السني&مرشحا واحدا للمنصب يصوت عليه داخل المجلس، الا ان الاطراف السنية هذه المرة لم تتفق على مرشح&مشترك&ودخلت العملية بعدة مرشحين في مؤشر على عمق خلافاتها وسعة&الهوة فيما بينها&والتي&كانت موجودة اصلا ويتوقع ازديادها مستقبلا.

الاختلاف الصارخ في عملية تشكل الحكومة العراقية لم يقتصر على طريقة اختيار رئيس الجمهورية&فحسب، بل فاجأ تكليف عادل عبدالمهدي&غير المحسوب على&جهة سياسية&وبعد حوالي ساعة من اختيار رئيس الجمهورية،&الكثير من&المراقبين وحتى السياسيينانفسهم،&فالجميع&كانوا&منشغلين بمعضلة من سيشكل الكتلة الاكبر التي ستختار بدورها مرشحا ليكلف بتشكيل الحكومة،&عندما وجدوا ان الامور قد حسمتوانتهى كل شيء، وبذلك&خطى&تشكيل الحكومة الجديدة اكبر اهم خطوتين بعد ان كان مثار جدل ومناقشات محمومة على مدى حوالي خمسة اشهر.

ظاهريا قطع&تشكيل الحكومة&العراقية&اشواطا صعبةوهي&الان&قاب قوسين&او ادنى&لرؤية&النور، اما واقعيا&فقد&خلفت&هاجسا غير مسبوق لدى الاطراف السياسية المتربصة للحصول على حصتها من وزارات ومناصب تعتبرها استحقاقا اكتسبتها باصوات ناخبيها في حين&يدور الحديث&حول&منح&رئيس الوزراء المكلف&حرية اختيار الاسماء والشخصيات لشغل الوزارات والمناصب الامر الذي تخشى الاحزاب ان يحرمها من ترشيح&ما تفضلها من شخصيات.&اضف الى ذلك&ان&بعض الاحزاب&تعتبر&وازارات وهيئات ومناصب محددة حكرا&عليها ولن تتنازل عنها بسهولة كما يرى البعض. ويمكن اعتبار التفجيرات الاخيرة التي شهدتها بغداد وبعض المدن الاخرى مقدمة لاصرار وتمسك تلك الاحزاب بتوجهها هذا وآذانا بعدم استعدادها للتخلي عنه دون عناء.

وبعد&اكثر من&اسبوع من تكليف عادل عبدالمهدي يبدو ان صعوبة اختيار اعضاء وزارته المرتقبة قد غطت&على الصعاب التي تنتظر هذه الوزارة&فيما يخص الملف الامني&في القضاء التام على فلول مسلحي داعش وحصر السلاح بيد الدولة،&والملف الخدمي ولاسيما تأمين المستلزمات البدائية للمواطنين في البصرة والمحافظات العراقية الاخرى&ومكافحة الفساد المستشري،&والملف الاقتصادي&في تحسين الوضع المالي واعادة اعمار مادمرته الحرب ضد الارهابيين&واعادة النازحين الى ديارهم،&وكذلك&ملف&تطبيع العلاقات مع اقليم كردستان ومعالجة تبعات الاستفتاء&الذي اجري&في الخامس والعشرين من ايلول من العام&الماضي، صعاب تنذر بان مهمة الحكومة المقبلة&في حال تشكلها&ستكون شاقة جدا ان لم تكن مستحيلة.