أسفرت نتائج الانتخابات&النصفية الأمريكية عن فوز الديمقراطيين &الذين استطاعوا&&استعادة السيطرة على مجلس النواب لأول مرة منذ العام 2010، فيما احتفظ الجمهوريون بأغلبيتهم في مجلس الشيوخ. وفيما سارع الكثير من المراقبين إلى قراءة التداعيات المحتملة لهذا الفوز على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وسط توقعات بتغيير في بعض التوجهات المحتملة حيال القضايا الدولية لا سيما المتعلقة بالشرق الأوسط&؛&فإن القراءة المتأنية لذلك لا توحي بتحول جذري في التوجه الجيوسياسي، لا سيما وأن السياسة الخارجية غابت عن الحملات الانتخابية التي سبقت عمليات الاقتراع، فالناخب الأميركي كان &مهتمًا بالتحديات الداخلية لبلده بشكل أساسي،&فخسارة الجمهوريين على الرغم من المؤشرات الاقتصادية الجيدة تشكل انتكاسة&لكون&هذا الاقتراع&كان بمثابة&استفتاء حقيقي&على "أداء"& الرئيس& ترامب&لا سيما فيما يتعلق بقرارته المتعلقة بالداخل الأميركي.

أما على صعيد السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، فإن تداعيات هذه الانتخابات قد لا تشكل نقطة تحول في هذا الإطار، ويمكن مناقشة ذلك عبر أبرز تلك&الملفات&الرئيسية&الشائكة&وهي:&العلاقة مع إيران وتداعيات العقوبات المطبقة حيالها إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؛&إضافة إلى ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية&وما&يتعلق بحرب اليمن&وموقف الإدارة الادارة الاميركية من&التحقيقات الجارية في قضية جمال خاشقجي؛ علاوة على الملف السوري و&التسويات المحتملة حيال الوضع لجهة ميزان القوى الإقليمية الفاعلة هناك للخروج بصيغة "توافقية" تحقق التوازن بين النفوذ "الروسي-&الايراني-التركي"،&كما يبقى&ملف "الحرب على الإرهاب"&حاضرًا في هذا السياق&. بيد أن تلك الملفات&جميعها&تتشابك في نقطة محورية&حول المحور&الأهم ربما&،&وهو ما&بات يُعرف "بصفقة القرن ".

وبعيدًا عن الأمزجة و رغبات المنزعجين من سياسات ترامب الخارجية، فإن القراءة المتأنية لانعكاسات فوز الديموقراطيين، لا تؤشر إلى تحول كبير في إدارة تلك الملفات، فمن المحتمل أن يذهب كلا من الجمهوريين والديموقراطيين باتجاه تفاهمات ذات عناوين عريضة يتفق عليها الجميع حيال القضيا الجيوسياسية الخارجية، فيما ستكون تحديات الداخل الأميركي هي المحور الأبرز في الصراع داخل أروقة الكونغرس، وهو ما أشارت إليه بوضوح &زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي التي وعدت "بإعادة الضوابط والمحاسبة التي نص عليها الدستور على إدارة ترامب"، مشيرة في الوقت عينه إلى أن " الكونغرس الديموقراطي سيعمل على حلول تجمعنا، لأننا سئمنا جميعا الانقسامات". ولذلك فإنه من غير المتوقع أن يؤثر فوز الديموقراطين على تغيير جذري حيال المحاور الثلاث الكبرى المتعلقة بالشرق الأوسط.

أولا وفيما يتعلق بمحور الملف الإيراني فإن كلا من الجمهوريين والديمقراطيين متفقون حول الهدف الرئيس،وهو ضرورة الضغط لإحداث التغيير المطلوب في السلوك الإيراني لجهة الحدّ من تمدد نفوذها وانتشار أذرعها وأدواتها في المنطقة، وسواء عبر الاتفاق النووي او بالعقوبات، علما أن تلك العقوبات تواجه العثرات لجهة تحقيقها ألا أن القرار حولها يبقى مرتبطا بقرارات الإدارة الأميركية في البيت الأبيض وليس في الكونغرس.

ثانيًا فيما يتعلق بمحور العلاقة مع المملكة العربية السعودية، فإنه من الواضح جدًّا أن الولايات المتحدة لن تفرط بعلاقتها الاستراتيجية،&وهو أمر أجمعت عليه والتزمت به كل الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض من الجمهورين والديموقراطيين على حدّ سواء، فمصالحها العميقة والراسخة&تاريخيًا&مع المملكة سواءً الاقتصادية أو الأمنية لن تشهد تحولا حقيقيا في هذا الإطار، ولكن ربما سنشهد بعض التسويات في شكليات العلاقة خاصة فيما يثيره الديمقراطيون حول قضايا الحقوق المدنية وحرية التعبيير للضغط على الرياض، لكن ذلك لن يرقى إلى تغيير في جوهر العلاقة بحال من الأحول.

ثالثًا فيما يتعلق بمحور "صفقة القرن " فإن كلا من الجمهوريين والديموقراطيين مجمعون على ضرورة إيجاد صيغة مشتركة لاطلاق عملية السلام بين إسرائيل والعرب والفلسطينيين،&بشكل يؤدي إلى إعلان الدول المحورية والاقليمية العربية عن تسوية تسمح بانشاء علاقة مباشرة وتمثيل ديبلوماسي معلن بين اسرائيل والدول العربية. فالعلاقة الأميركية&بإسرائيل&استراتيجية و واضحة لجهةالتزامات الولايات المتحدة تجاهها&بمعزل عن أي حزب حاكم&.&لكن من المحتمل أن الديموقراطيين قد يقدمون مقاربات "شكلية" لضمان الحد الأدنى من الحقوق،&وذلك عبر الدفع لجهة &التنسيق مع القوى الدولية الأخرى، لكن ذلك& قد لا يثني ترامب عن الاعلان عن تلك الصفقة التي يرى المراقبون أنها نَضجت& و أن الاعلان عنها بات وشيكًا.

على أية حال ومهما كانت السيناريوهات المحتملة للمرحلة القادمة فإن العناوين الكبرى للمصالح الاستراتيجية ستبقى على حالها في المدى المنظور على الأقل، و فوز الديموقراطيون قد يضبط "إيقاع " السياسة المتسرعة ربما &لكن دون أن يحدث تغييرا جذريًا حيال قضايا الشرق الأوسط&التي اتعبت الجميع !