تابعت باستغراب شديد الكثير مما كتب من تحليلات وتعليقات سياسية حول فوز سيدتين مسلمتين للمرة الأولى في انتخابات الكونجرس الأمريكي، فالبعض اعتبر فوز الهان عمر ورشيدة طليب بمنزلة تغير جذري في السياسة الأمريكية، بينما رأي فيه آخرون&"صفعة"&على وجه الرئيس ترامب ومخططات الاستيطان والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بينما رأي فيه آخرون&"صحوة ليبرالية"&تعكس الوجه الحقيقي للقيم الأمريكية!

الكثير والكثير قيل في تحليل وتفسير الحدث بحيث يصعب حصر غرائب ما قيل في هذا الصدد، ولكنه في المجمل ينطوي على أفكار ودلالات استنتاجات تثير الحيرة والدهشة من فهم بعض المحسوبين على فضاء التحليل السياسي في العالم العربي والإسلامي لحقائق السياسة الأمريكية، حيث تجد أحدهم لا يرى من الصورة سوى الوجه الذي يظهر له أو يتمناه، ولا يكاد يقرأ أو يرى أبعاد أخرى قد تكون الأكثر منطقية وأهمية من تلك التي تلوح أمامه، ويظل أسيراً لفكرة معينة يرددها في هذا المقال وتلك المقابلة المتلفزة، وهذا الحوار الإذاعي من دون كلل أو ملل.

الحقيقة أنه صمود يستدعي الدهشة والتعاطف في آن واحد معاً، الدهشة لهذه الجرأة في إنكار وتجاهل الأوجه المتعددة للمشهد السياسي الأمريكي، والتعاطف لكون أصحاب مثل هذه الأفكار غارقون في أوهام لا مهرب ولا فكاك منها.

هذا الأمر لا ينكر وجود تحليلات منطقية وعقلانية قامت بتقديم ما حدث في إطار من الفهم العميق الذي يستوعب ديناميات السياسة الأمريكية ومحركاتها الحقيقية، حيث قرأت أيضاً الكثير من المقالات التي تحذر من الافراط في الرهان على مواقف عضوتي الكونجرس المسلمتين، وضرورة عدم تجاهل المواقف والبرامج التي تم انتخابهما على أساسها، فليس من المعقول أن يكون الناخب الأمريكي قد اختار نائبة له في الكونجرس تتعهد بالقضاء على إسرائيل على سبيل المثال!

رشيدة من أصول فلسطينية ولدت وعاشت في الولايات المتحدة، وإلهان كذلك من أصول صومالية، وفازتا عن ولايتي ميتشيغان ومينيسوتا، لتصبحا أول مسلمتين من أصول عربية تحصلان على مقعدين في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي.

الخبر الجيد أن النائبتين لهما أجندة سياسية لم تتنصلا فيها من قضايا جذورهما، وقدمتا نموذجاً رائعاً للمرأة المسلمة في مجتمع تعددي منفتح كالمجتمع الأمريكي، ولكنهما ملتزمتان بثوابت لا فكاك منها أولها الالتزام بالدستور والقوانين الأمريكية، ومصالح الناخبين الذين اختاروهما للدفاع عن قضايا ومصالح المواطن الأمريكي في الكونجرس وليس الدفاع عن الدول والشعوب العربية.

إنني اتفهم بطبيعة الحال جزءاً كبيراً من حالة النشوة العربية بفوز النائبتين في ظل حالة من اختلال موازين القوى لغير مصلحة القضايا والشعوب والدول العربية، بحيث بات التشبث بأي أمل يلوح في الأفق دفاعاً عن هذه القضايا والمصالح هو الأمر الطاغي على المشهد الإعلامي العربي والإسلامي، ولكن هذا الأمر يمكن فهمه في إطار وسائل التواصل الاجتماعي وجمهورها، ولكن أن يأتي من جانب من يحسبون أنفسهم ضمن الخبراء في العلاقات الدولية، فهذا أمر ينطوي على تضليل للرأي العام والشعوب، ونصبح أمام أحد احتمالين إما أن من يقول بذلك لا يفهم ابجديات السياسة الأمريكية وهذه مصيبة لمن يتصدى لهكذا أمور، أو أنه يفهم ويؤثر خداع الجمهور ويقدم مسكنات سرعان ما سيثبت زيفها، وتلك أيضاً مصيبة أعظم!

الحقيقة أيضاً أن فوز النائبتين يذّكر العالم بقيم أمريكا وركائزها الدستورية، التي لم تغب وسط ما لحق بها من تشوهات في السنوات الأخيرة بسبب مواقف وسياسات نالت كثيراً من الصورة النمطية للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن علينا أن نتذكر جيداً أن انتخابات الكونجرس غابت عنها تماماً قضايا السياسة الخارجية فلا العرب ولا غيرهم كانوا أحد متغيرات اختيارات الناخبين لممثليهم بل هي البرامج والمواقف والوعود التي تتعلق بالسياسات الداخلية ومصالح واهتمامات الشعب الأمريكي.

علينا أيضاً أن نتذكر أن فوز رشيدة والهان جاء ضمن انتصارات كبيرة حققتها المرأة الأمريكية بشكل عام في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، حيث فاز عدد غير مسبوق من النساء، كرد فعل لترشح عدد غير مسبوق أيضاً منهن، وهناك أيضاً أصغر عضو في تاريخ الكونجرس، وهي ألكساندريا أوكاسيو كورتيز&(29&عاما)، التي اثارت الجدل عقب فوزها عندما أعلنت انها لا تستطيع أن تدفع إيجار مسكن في العاصمة واشنطن، قبل أن تبدأ في ممارسة وظيفتها الجديدة، في يناير المقبل، وهي ايضاً حالة سياسية مهمة كونها&ولدت في نيويورك، لوالدين من جزر بورتريكو، وتصف نفسها بأنها من الطبقة العاملة، وعملت في مطاعم حتى أوائل عام&2018، بهدف زيادة دخلها كونها ناشطة مجتمعية، وهناك أيضا فوز&أول أمرأة من السكان الأصليين.