رغم أن التجربة التي أجرتها إيران مؤخراً على صاروخ باليستي متوسط المدى لا تضيف جديداً على صعيد فهم سلوك نظام الملالي، فإنها تنطوي على أبعاد ودلالات مهمة يتعين على دول الاتحاد الأوروبي تحديداً فهمها جيداً.

قد يعتقد البعض للوهلة الأولى أن التجربة الصاروخية تمثل تحدياً للعقوبات الأمريكية، ورداً على قرار إدارة الرئيس ترامب بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة&"5+1"&وإيران، ثم فرض عقوبات أمريكية وصفت بأنها الأقسى من نوعها ضد النظام الإيراني، ولكن الحقيقة أن هذا التفسير يمثل أحد أبعاد هذا التطور، الذي يكشف ضيق أفق رجال الدين الإيرانيين، واعتمادهم المطلق على سياسة&"حافة الهاوية"&في التعامل مع الأزمات التي تحاصر النظام.

ضيق الأفق الإيراني ناجم عن تجاهل الملالي بشكل لافت لموقف الاتحاد الأوروبي، الذي يقدم الدعم والمساندة لإيران في موقفها من الاتفاق النووي، فأبسط ابجديات السياسة تشير إلى أن التجربة الصاروخية تضع أوروبا في موقف بالغ الحساسية والحرج في آن معاً! &كونها تكشف مدى استخفاف الملالي واستهانتهم بموقف الشركاء الأوروبيين، فلم يقيموا للموقف الأوروبي الذي غامر بالشراكة الأطلسية مع الولايات المتحدة من أجل دعم الاتفاق النووي الموقع مع إيران.

في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تواصل البحث عن آلية لاستمرار التجارة والتعاون مع إيران التفافاً على العقوبات الأمريكية، جاء تجربة الملالي الصاروخية متبوعة برسالة مفادها أن التجارب الصاروخية الإيرانية مستمرة&"للدفاع عن البلاد والردع"&كما ذكر المتحدث باسم الجيش الإيراني!

بالتأكيد رسالة الملالي وصلت إلى أوروبا، فالصاروخ الباليستي متوسط المدى الذي تم تجربته مؤخراً يستطيع حمل رؤوس نووية والوصول إلى أجزاء كبيرة من القارة الأوروبية، وبالتالي فإن من غير الممكن لأوروبا أن تتجاهل تهديد بهذا الحجم والخطورة، لاسيما أن التجربة الصاروخية الايرانية تنتهك بشكل سافر روح قرار مجلس الأمن الدولي رقم&2231، الذي يستهدف بناء الثقة بين المجموعة الدولية والنظام الإيراني ويتضمن سلسلة من الالتزامات الدقيقة التي كان يفترض أن يلتزم بها الملالي لاثبات حسن النوايا وبناء الثقة، ومنها منع أي انشطة مرتبطة بالصواريخ الباليستية المصممة لحمل الأسلحة النووية.

الإشكالية أن العجرفة الإيرانية لم تقتصر على التجربة الصاروخية، بل سبقها تهديد صريح باستئناف تخصيب اليورانيوم إلى مستوى&20%&ما لم تحصل إيران على مزايا اقتصادية للاتفاق النووي!

هذا الابتزاز الفج يتطلب وقفة من الجانب الأوروبي بالأساس، لأن هذه الإجراءات تمثل استخفافاً بموقف الاتحاد الأوروبي؛ رد الفعل الفرنسي حيال التجربة الصاروخية أشار إلى خرق القرار الأممي&2231، واكد عدم امتثال إيران للقرار، والموقف ذاته تبنته بريطانيا، التي اعتبرت التجربة الصاروخية ذات طبيعة&"تهديدية"، وأعرب البيان عن&"تصميم"&بريطانيا على ضرورة توقف هذه التجارب.

الملالي لايفهمون لغة السياسة الهادئة كثيراً، ولا يتحركون سوى عند استشعار الخطر يقترب من قواعد نظامهم السياسي، وبالتالي فإن الشجب والادانة لن يحظيا بأي اهتمام من جانب الملالي، ويفترض أن تعتمد بريطانيا استراتيجية حازمة هذه إيران، لأن الصمت سيكلف أوروبا الكثير من أمنها وهيبتها ومكانتها الدولية.

لا أدرى كيف اعتبر وزير الخارجية البريطاني&جيريمي هانت&في تصريحات له مؤخراً، أن الاتفاق النووي&"يشكل ركيزة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط"، فهل لا يزال الموقف على حاله في ظل التجربة الصاروخية والتلويح بورقة استئناف التخصيب؟!

الكرة لا تزال في ملعب أوروبا، حيث يجب أن يدرك الأوروبيون أن الملالي لا يفهمون سوى ما يمس مستقبل نظامهم، ولا يتجاوبون مع أي جهود هادفة إلى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، سوى في حال استشعرواً خطراً يطال بقائهم في السلطة، ومن غير ذلك ستتواصل هذه الممارسات الاستفزازية، التي لا تعبر مطلقاً عن سلوك دولة تحترم التزاماتها وتعهداتها الدولية.