لكل مجتمع بيئة تنعكس على سلوكه وفكره، يتربى في احضانها وتتحول تلك البيئة إلى هوية لا يتخلى عنها، أو بمعنى اصح يصعب التخلص منها، لأنه قد شحن عقله الباطن بكل ما تحويه من أفكار وسلوكيات، تترعرع معه وتسيطر عليه من صغره إلى الكبر، حتى وان بدأ في دراسة علوم جديدة في شتى أنواع العلوم، لا يعتبر تلك العلوم هي بديلة عن بيئته المجتمعية، فلو كانت بيئته الاجتماعية تؤمن بالخرافات والاساطير سيبقيها في عقله في مقابل العلوم الجديدة بحيث لا تعارض لديه بين العقليتين العلمية والخرافية، إذ ان البيئة الحاكمة عليه هي جزء من هويته والعلوم التي درسها قد جعل منها وظيفة للكسب والمعيشة.
إذأ كان المجتمع بهذه الصورة السابقة لن يتقدم ولا ينتج، حيث ان ما هو موجود في العقل يؤثر على مجرى المسيرة العلمية، لأنه في واقع الحال هناك تعارض أو انسجام بين البيئة المجتمعية والعلوم الحديثة، فأن كان المجتمع بيئته تهتم بالعلوم والمعارف والثقافة سوف تدعم أي نتاج علمي، على العكس من ذلك إذا كان المجتمع خرافي أو اسطوري سوف يتعارض مع ما هو علمي ومنطقي.
لكي تنسجم الحالة البيئية والعلمية لابد من كنس بعض الأفكار البالية التي تعطل العلم والمعرفة، لابد ان نتعامل معها كأمراض نتعالج منها بالعقاقير الذهنية، كما حصل لعالم الرياضيات جون فوربس ناش الذي كان مصابا بحالة من الفصام حيث انه يعتقد بوجود شخصياتيتعامل معها وهي في الأساس غير موجودة، لم يمنعه ذلك من التخلص من هذه الحالة وحصوله على جائزة نوبل عام 1994 في الاقتصاد مع ان تلك الحالة قد عطلت مسيرته العلمية لفترة طويلة فعندما تخلص منها بدأ ينتج.
ان وجود بيئة سلبية في مجتمع ما معطلة لنتاج العلم، بخلاف وجود بيئة داعمة لحلة العلم والمعرفية هي بمثابة العجلة السريعة التي تسير المجتمع الذي يعيش فيها وتبني قدراته وتنمي معارفه، بالإضافة إلى الاستفادة من الدول المتقدمة في هذا المجال وكيفية تخطي الأفكار القديمة المعطلة لعجلة التنمية المعرفية والتي عوضتها بأفكار تتناسب مع عصرهم الحاضر، بدأً من المدرسة ومرورا بالمؤلفات العلمية والفلسفية وبناء عقلية جديدة، والامر الاخر تغيير الخطاب الوعظي إلى خطاب استنهاضي برفع من نسبة الوعي عند الناس والدعوة إلى اعمار الأرض بالعلوم التي تعود على الناس بالمنفعة.
الخلاصة ان المجتمع ابن بيئته يتعاطى وينسجم مع الفكر الذي تربى فيه، لكن ليس غلطا بأن الانسان يتغير ويتبدل سواء في فكره او معيشته خصوصا إذا كانت القديمة قد اكل الدهر عليها وشرب بحيث تكون معطلة لحركة العلم والمعرفة.
&