بدأت أولى جولات الانتخابات النيابية في لبنان باقتراع المغتربين اللبنانيين في الدول العربية، لتستكمل في الدول الاجنبية، وآخر جولاتها في لبنان في السادس من أيار المقبل.

اذا نظرنا الى الموضوع من ناحية حقوقية، من الجميل جدا أنه للمرة الأولى يمارس المغتربون والمهاجرون اللبنانيون حقهم الدستوري في الاقتراع، خصوصاً بعد تسع سنوات من تهجير الانتخابات وتمديد السلطة السياسية لنفسها!

ولكن اذا نظرنا الى الموضوع من ناحية واقعية، ولأننا في لبنان اعتدنا على أن السياسيين لا يمكن أن يقدموا لنا شيئاً من دون مقابل، لا بد لنا من التوقف عند ما حصل في الآونة الأخيرة! قبل إقرار القانون الذي يسمح للمغتربين بالاقتراع جال وزير الخارجية على بلدان الانتشار وخطب باللبنانيين هنا وهناك، وزير الخارجة المرشح حالياً للانتخابات والذي لم ينجح عن دائرته في الانتخابات النيابية الماضية! طبعاً من خزينة الدولة وعلى حسابنا كشعب! الواقع يشرح نفسه، هذا ناهيك عن أن وزير الداخلية، والذي تشرف وزارته على الانتخابات، مرشح أيضاً! 

يقال "إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته" ولكننا في لبنان اعتدنا من باب التدابير الاحترازية اعتماد مبدأ "المتهم مدان حتى تثبت براءته"، وفي موضوع الانتخابات النيابية لا هذا المبدأ ولا ذاك سيجدون نفعاً بعد ٦ أيار، تاريخ الاستحقاق، لأن المحاسبة يفترض أن تكون في صناديق الاقتراع، وبعد فرز الأصوات "بيكون يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب".

الكل في حديث الانتخابات، اللقاءات السياسية وغير السياسية، نشرات الاخبار، البث المباشر، الحلقات الحوارية في الاعلام، وانعكاس كل ذلك في الجلسات بين اللبنانيين.

لا أدري إن كانت مصادفة أو أن حياتنا هي هكذا مبنية على التناقضات، في نفس الأسبوع، التقيت بصديقين يقترعان في نفس الدائرة، أحدهما حزبي والثاني ناقم على الأحزاب وداعم للمجتمع المدني. حديث الحزبي هو نفسه حديث المرشحين عن السلطة السياسية، شد العصب الطائفي والتهويل من الآخر، وحديث الناقم على الأحزاب رافض للسلطة الحالية وآمل في المجتمع المدني كفرصة للتغيير.

كلاهما على حق من الزاوية التي يقف فيها، فالأحزاب تطرح نفسها "المخلّص" للطوائف، والمجتمع المدني يطرح نفسه "المخلص" من الأحزاب! جربنا الأحزاب في السلطة، وثمار وعودها كان أننا غرقنا بنفاياتنا! لا يسعنا أن نحكم على المجتمع المدني فلم نجربه بعد! 

فيما الانتخابات النيابية حديث الساعة، صودف أنني أقرأ كتابا عن قوة العقل الباطني وكيف يمكن أن يتأثر، وهو في الحقيقة ربان سفينة خياراتنا في الحياة. 

لفتني في هذا الكتاب شيئاً يتناغم مع ما يحصل حالياً قبيل الانتخابات النيابية: "عقلك الواعي هو حارس البوابة ووظيفته الرئيسية هي حماية عقلك الباطن من الانطباعات المضللة والخادعة. وسبب أهمية ذلك يعود إلى أحد القوانين الأساسية للعقل، ألا وهو أن عقلك الباطن يسهل انقياده بالإيحاء...

وإليك مثالاً تقليدياً يوضح القوة الرهيبة للايحاء: تخيّل أنك على متن سفينة تترنح من جانب الى آخر، واقتربت من أحد الركاب الذي يبدو عليه الهلع، وقلت له شيئاً مثل: إنك تبدو على غير ما يرام، إن وجهك يبدو عليه الشحوب، إنني أشعر بأنك ستصاب بدوار البحر؛ هل تسمح لي بمساعدتك للوصول إلى قمرتك؟ ويتحول لون وجه الراكب إلى أصفر. إن إيحاءك له بأنه سيصاب بدوار البحر ارتبط بمخاوفه الذاتية وهواجسه، وقبل الراكب مساعدتك له للوصول إلى القمرة الخاصة به، وبالتالي، أصبح إيحاؤك له أمراً واقعياً."

هذا ما يمارسه المرشحون على الناخبين، إيحاءات من منبع مخاوف هؤلاء بما يخدم مصالح السياسيين وليس الوطن، فللأسف أكثر ما نفتقد إليه في السلطة الحاكمة هو الوطنية!

قد يكون من باب التمني، ولكن الرجاء أن يكون اللبنانيين واعيين في صناديق الاقتراع من كل الايحاءات التي تمارس عليهم، ويختارون بحسب ما يمليه عليهم عقلهم الواعي، لا ما يحاول المرشحون إملاءه على عقلهم الباطن!