التفافاً على "الاحتجاجات الشعبية" المناهضة لحكم الرئيس بشار الأسد (آذار 2011)، سحب النظام السوري قواته من معظم مناطق وبلدات ريف محافظة الحسكة، ليسيطر عليها (حزب الاتحاد الديمقراطي- pyd). مبقياً (النظام) على سلطاته وقواته في كبرى مدن المحافظة( الحسكة والقامشلي). بزمن قياسي ،نجح الحزب الكردي في إنشاء (قوات أمن) خاصة به وتشكيل (جيشاً) قوامه نحو 20 الفاً، من الشبان والشابات، مكنه من دحر (تنظيم الدولة الاسلامية- داعش) اكثر التنظيمات الاسلامية ارهاباً ووحشية، وتوسيع مناطق نفوذه وسيطرته، لتشمل معظم منطقة شرق نهر الفرات ،الغنية بالثروات النفطية والزراعية، وصولاً الى منبج وعفرين غرباً، في اقصى الشمال السوري، مستفيداً من الدعم العسكري الأمريكي، ومن تجربة (الكفاح المسلح) للحزب الأم "حزب العمال الكردستاني- تركيا". الـ pyd باشر بإنشاء مؤسسات وهيئات (اقتصادية ، إدارية ، قضائية ، دبلوماسية)، وضعَ نظم ومناهج كردية (تعليمية ، تربوية ، ثقافية)، سنَ القوانين وأنجزَ (العقد الاجتماعي) لـ"الدويلة الكردية" القيد الإنشاء على نحو 30% من اراضي الدولة السورية. بزمن قياسي، ايضاً،بدأت تنحسر "الامبراطورية العسكرية" للـ pyd وتتفكك دويلته. قبل أشهر خسر إحدى أهم مقاطعاته "عفرين" ، بفعل العدوان التركي واحتلاله لها.الحزب يستعد لسحب مسلحيه من مدينة منبج ، بموجب اتفاق بين عدوه(التركي) وحليفه (الامريكي). "الدويلة الكردية" ستتعرض الى مزيد منالنكسات والهزائم، حتى تتلاشى وتختفي من الوجود، تحت ضغط التفاهمات والمساومات والمصالح المشتركة بين الدول الفاعلة والنافذة في الأزمة السورية.النظام السوري، بعد أن حسم معاركه في الجبهات الساخنة (ريف دمشق وحلب وحمص وحماه) وصمت الجبهات الأخرى، بفضل الدعم العسكري الروسي والايراني وحزب الله ، اطلق بشار الأسد تهديداته لما يسمى بـ" قوات سوريا الديمقراطية - قسد"، المقادة من قبل "قوات حماية الشعب" الكردية (الجناح العسكري) لحزب الاتحاد الديمقراطي. الأسد في تصريح له لقناة(روسيا اليوم)، خير (قسد) " بين الحوار أو القتال، لكي تسلم المناطق الخاضعة لسيطرتها".بالفعل، بتوجيهات من (الدوائر الأمنية) للنظام، وصل وفد من أحزاب موالية له، إلى مدينة القامشلي قادماً من دمشق، للقيام بدور الوساطة، بين (الأحزاب الكردية) من جهة و(النظام السوري) من جهة ثانية، على أمل أن ترسل الأحزاب الكردية وفداً الى العاصمة دمشق للتفاوض مع النظام، يفضي الى إنهاء "التمرد العسكري" لحزب الاتحاد الديمقراطي، ومعالجة "الملف الكردي"، بمعزل عن بقية ملفات الأزمة السورية الشائكة.

الأسد، يدرك جدية التهديدات الامريكية لقواته إذا ما تقدمت شرق نهر الفرات،حيث تنتشر قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية وبريطانية، أقيمت في المنطقة بذريعة "الحرب على الارهاب والقضاء على داعش". في الأشهر الأخيرة حاولت قوات النظام والميليشيات الرديفة لها، التقدم شرقاً نحو مواقع (قوات سوريا الديمقراطية) وحقول النفط والغاز، لكنها جُبهت برد عنيف من قبل القوات الأمريكية وتكبدت خسائر كبيرة في الارواح والمعدات. ثمة بدائل لدى النظام لاختراق "الخطر الأحمر- نهر الفرات" الذي حدده الامريكان . أنه يخطط لتحريك (العشائر العربية) لمواجهة القوات الامريكية والتركية والفرنسية وحلفائهافي قسد. بعد تهديدات الأسد بأيام قليلة، عقدت القبائل والعشائر العربية مؤتمراً في بلدة( دير حافر) بريف حلب الشرقي، اعلنت في ختام مؤتمرها " تشكيل وحدات المقاومة العشائرية الشعبية" لطرد من سمتهم بـ "الدخلاءالمحتلين من امريكيين وأتراك وفرنسيين". أكدت في بيانها على أن "وحدات المقاومة العشائرية هي رديف حقيقي للجيش العربي السوري ودعت الشعب السوري للمشاركة في هذه الوحدات وتقديم المساعدة لها". الزج بالقبائل والعشائر العربية في أتون الحرب السورية، سيشكل مرحلة انعطاف خطيرة في مسار الأزمة السورية ، خاصة في منطقة شرق الفرات والجزيرة. إذا ما بدأت المقاومة العشائرية عملياتها العسكرية ، ستصطدم مع (قوات سوريا الديمقراطية) التي تضم فصائل ومجموعات (كردية ،عربية ، تركمانية، آشورية)، بينها الكثير من التناقضات السياسية والفكرية والعقائدية والايديولوجية ، تحالفت في تشرين الأول 2015 برعاية أمريكية، لتصبح شريكاً للتحالف الدولي في الحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية – داعش" الإرهابي. (قوات سوريا الديمقراطية) تشكيل عسكري غير متجانس في الرؤى والأهداف الاستراتيجية ،فرضته ظروف الحرب ، لهذا يحمل في بنيته كل أسباب وعوامل التفكك والانهيار.(القيادات الكردية) في الـ" pyd و قسد" ، بدأت تدرك حجم التحديات والمخاطر التي تواجه مشروعها الكردي في سوريا. هذا يفسر ردها الدبلوماسي المرن على تهديدات الأسد. في حديث لوكالة "رويترز"، صرح المتحدث باسم (قسد) (كينو كبرائيل)" إن أي حل عسكري بما يخص قوات سوريا الديمقراطية سوف يؤدي إلى مزيد من الخسارة والدمار والصعوبات بالنسبة للشعب السوري.. أن الحل العسكري ليس هو الحل الذي يستطيع أنيصل لأي نتيجة". الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي (صالحمسلم) في حديث، لوكالة الأنباء الألمانية ، شدد "على أن المصالح هي التيتحكم تحالفات الأكراد في سوريا، وإذا توافقت مصالحنا مع الأميركيين فسنسير معهم. وإذا توافقت مع الروس فسنسير معهم. وإذا توافقت مع النظام فسنسير معه". حول التفاوض مع النظام قال مسلم "الحوار سيكون دون شروط مسبقة..نريد سوريا ديمقراطية لكل أبنائها، والمسميات غير مهمة". هذا يعني أن الـ pyd وضع في حساباته التخلي عن التسميات العرقية "روج آفا- كردستان سوريا "الغريبة والدخيلة على تاريخ وحضارة سوريا، التي اطلقها الحزب على المناطق الخاضعة لسيطرته. في ذات السياق جاءت تصريحات الرئيسة المشتركةلـ(مجلس سوريا الديمقراطية)- الجناح السياسي لقسد- إلهام أحمد : "كنا منذالبداية مع التفاوض لأنه الوسيلة الوحيدة لحل الأزمة... ". مؤكد، ما كان للقيادات الكردية في (حزب الاتحاد الديمقراطي) و(قوات سوريا الديمقراطية) و( مجلس سوريا الديمقراطية)، أن تبدي كل هذه المرونة والايجابية تجاه (النظام السوري) ما لم تصل الى قناعة تامة بأن (إدارة ترامب) ستتخلى عنها ، على الأقل (عسكرياً) ، عاجلاً أم آجلاً ، وستتركها وحيدة وسط (العاصفة السورية).

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات

[email protected]