شكّل كلّ من الإيمان والدّين ركيزة أساسية في حياة البشرية منذ قديم الزمان، لذلك أبرز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق في حرية الدين لتكون بذلك أولى الوثائق الأممية التي وافق عليها أعضاء الأمم المتحدة.

وعندما نتحدث عن الأديان والتسامح وتلاقي الثقافات لا بدمن الإشارة إلى جامع الشيخ زايد الكبير كصرح ديني إسلامي عالمي كبير، وكذلك فتح أبوابه لزيارات الناس منغير المسلمين، وقد كنت محظوظة بزيارة هذا الجامع مؤخرا.

يمزج الجامع بين مختلف مدارس العمارة الإسلامية وغيرها؛ بدءا من 82 قبة تشبه الطراز المغولي (مثل تاج محل الشهير)، وأربع مآذن على الطراز العثماني، كما يتضمن الصحن الواسع للجامع، الذي صمّمه الفنان البريطاني كيفين دين، تصميما جميلا ومبدعا لزهور منمختلف أنحاء العالم. كما تم استخدام ثلاثة خطوط في الكتابات المنتشرة في الجامع هي الكوفي والثلث والنسخ، خطّطها فنانون من سوريا والأردن والإمارات. وأما السّجادة التي حِيكَت يدويا لتزيّن فناء الجامع فهي السّجادة الفارسية الأضخم في العالم. ولذلك نلاحظ أن حِرفيين محترفين، من بلدان عديدة، استخدموا مكّونات طبيعية لبناء مكان عبادة رائع يترك انطباعا عظيما على كل من يزوره ويشاهده.

من الواضح أن العديد من الثقافات والتقاليد اتحدّت في انسجام مَهيب وراقٍ في هذه التحفة المعمارية التي تعكس كل أجزائها ومكّوناتها تلك التقاليد المتنوّعة والمختلفة، ومع ذلك يبدو لنا أنها تتحدّث مع بعضها البعض لتثري – مجتمعةً – هذه التّحفة.

تلخّص هذه الرسالة شعارا يُستخدم عادة في الهند وهو"الوحدة في التنوّع"، وهو ما يقابله في اللغة العربية مفردات مثل تعايش، تفاهم، تقارب، تبادل، تواصل، تناغم وبالطبع تسامح خاصة في هذا العام – عام التسامح الذي تحتفل به دولة الإمارات العربية المتحدة في 2019.

وكانت الأمم المتحدة قد احتفت مؤخرا بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، والذي زار خلاله قداسة بابا الفاتيكان، البابا فرانسيس، الإمارات وهي أول زيارة تاريخية من قبل بابا الفاتيكان إلى شبه الجزيرة العربية. وتضمن برنامج الزيارة لقاء لقداسة بابا مع فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وأعضاء مجلس حكماء المسلمين في جامع الشيخ زايد الكبير.

يفرض علينا عصر العولمة أن نعيش، ونتعايش، جنباً إلى جنب مع أشخاص من خلفيات وديانات ولغات مختلفة، ولذامن الجيد أن نتذكّر أن هذا التنوّع يمكن أن يخلق شيئاً أكثر ثراءً وقوةً وجمالًا من وجود ثقافة أو حضارة واحدة.

وفي ضوء ذلك، يقف جامع الشيخ زايد - إلى جانب كونه مكانا للعبادة - منارةً للتسامح ومكانًا تلتقي فيه الثقافات. أليست هذه إحدى أهم الأفكار العظيمة التي برزت فيبدايات الإسلام عندما قال أحد الخلفاء المسلمين "الإنسان إما أخوك في الدّين أو نظيرٌ لك في الخلق"؟

نعم هي كذلك، فقد كانت هذه رسالة واضحة للمساواة بينأبناء البشر جميعا بصرف النظر عن خلفيّاتهم الدينية وغير الدينية.

• المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا