الحقيقة أن استهداف أربع سفن شحن منها ناقلتي نفط تابعتين للمملكة العربية السعودية، يمثل لعباً بالنار من الطرف الذي قام بذلك، وهو يدرك تماماً عواقب مثل هذه التصرفات التي تهدد أمن الملاحة البحرية الدولية، كما يدرك أن عواقب مثل هذه التصرفات الرعناء لن تمر مرور الكرام في منطقة استراتيجية بالغة الحساسية، بل هي عصب الاقتصاد العالمي.

قناعتي الذاتية أن هذه الحادثة هي جريمة إرهابية دولية بكل المقاييس، والمسؤول عنها معلوم جيداً للجميع، فليس معنى أن المجرم لم يترك آثاراً خلفه أو ما يشير إلى هويته أنه برىء مما حدث، حتى وإن أنكر وحاول ادعاء البراءة والصاق التهمة بالآخرين.

البعض كان ينتظر فيما يبدو اعترافاً بهذه الجريمة، ولكن توابعها تجعل من الصعب على من أمر بها الاعتراف أو مجرد التلميح لنفسه، وهو يدرك تماماً أن اللحظة التي سيقر فيها بجريمته ستكون إيذاناً بقرارات حرب تضع المجتمع الدولي كله في كفة ومدبرو الجريمة في كفة أخرى، باعتبارها انتهاكاً لقوانين حرية وأمن الملاحة البحرية في الممرات المائية الدولية، التي يعد تنفيذها مسؤولية دولية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأكمله.

وإذا كانت الامارات والسعودية قد تصرفتا بمسؤولية في إعلان مواقفهما تجاه هذه الحادثة الاجرامية، فإن من ينام ويصحو على وقع التهديد والتلويح بعرقلة الملاحة في مضيق هرمز ويتصرف بشكل غير مسؤول وكأنه خارج نطاق القانون الدولي، يتجمل مسؤولية أساسية على الأقل في منح الفرصة لوقوع مثل هذه الجرائم إن لم يكن تدبيرها والاشراف على تنفيذها.

سوء الإدراك والتصرفات الخطأ في الأزمات هو أحد مداخل تصعيد التوترات وإشعال الحروب، والنظام الإيراني لم يثبت حتى الأن أية رشادة أو عقلانية سياسية في إدارة الأزمات، بل يتحرك وفق منطق ميلشياوي ينظر تحت قدميه ولا يضع لمصالح الدول والشعوب أي اعتبار!

مسؤولية النظام الإيراني ومدمى تورطه في هذه الجريمة مسألة تتوقف على نتائج التحقيقات، ولكن الحقيقة المؤكدة أن الأجواء التي يفتعلها هذا النظام اقليمياً تجعل منه مسؤولاً بشكل ما عن توفير الأسباب لوقوعها، ما يضر بمصالح الدول والشعوب والمجاورة، فالنظام الإيراني هو مصدر جميع عوامل الارباك الإقليمي، ومصدر مباشر للتهديدات وأجواء التوتر القائمة التي تجعل الحرب أكثر احتمالاً من احتمالات التهدئة.

الحقيقة أن هذا التصرف لا يجب أن يمر مرور الكرام ويستحق وقفة حازمة وصارمة من المجتمع الدولي، لأن ضمان امن الملاحة البحرية مسألة في غاية الخطورة والحساسية والأهمية، والتراخي في تأكيد هذه المسألة يبعث برسالة خطأ إلى الدول والأنظمة التي ترعى الإرهاب وتنشر الفوضى كما يشجع تنظيمات الإرهاب على ارتكاب حماقات مماثلة لم يعد من الممكن القبول بها في ظل الحساسية البالغة للاقتصاد العالمي لأي تأثيرات سلبية لهذه الجرائم على أسعار الطاقة وغير ذلك.

ولاشك أن هذه الجريمة تعتبر تطوراً في غاية الخطورة، لأن تكراره ـ لا قدر الله ـ سيكون نذيراً بحرب لا تبقي ولا تذر، فهو يمثل لعباً بالنار في منطقة لا تحتمل مثل هذه التصرفات الرعناء، وعلى النظام الإيراني أن يثبت إدراكه لمتطلبات الأمن والاستقرار الإقليمي، وأن يكف عن لعب دور المشاغب الإقليمي الذي لا يليق بسوى بالميلشيات وتنظيمات الإرهاب، لأن الثمن وفاتورة وعواقب التصرفات الرعناء ستكون أكبر من أن يتحمل بعض المغامرين الذي تشبعوا بالغرور القومي والغطرسة التي تدفعهم إلى عدم استيعاب خطورة اللعب بالنار في الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، لأن أمن الخليج العربي مسألة لا تتعلق بدول مجلس التعاون فقط فالمنطقة هي شريان وعصب اقتصادات العالم، وستجلب على المغامرين كوارث تفوق توقعاتهم وحساباتهم أن كان بالفعل لديهم أي حسابات من أي نوع وهو أمر مشكوك في صحته.