بعد عودتي مؤخراً إلى كتاب الإعلامي الفلسطيني الكبير عارف حجاوي "اللغة العالية" الصادر عن قطاع الضبط والجودة&والمعايير التحريرية في شبكة الجزيرة الإعلامية 2014، لفت انتباهي&ملحق&بأخلاقيات الإعلامي في نهاية الكتاب، ورغم أهمية الكتاب لكل صحفي،&إلاّ&أن ما أزعجني كقارئ&تعوّد على&أنيُقارن المعمولَ&به واقعياً بالمقول، هو أن الممارسات التي تلمسناها في إعلام الجزيرة خلال السنوات الماضية يناهض الكثير الكثير مما تم ذكره في خاتمة الكتاب عن مواثيق الشرف الإعلامي عربياً وعالمياً، وشعرتُ&كقارئ وكأن&حال&الجزيرة كحال أي شخصٍيتكلم ليل نهار بين الناس عن الصُلح وهو ليس من أهل الصلاح، ينشد ويروّج عن البناء والإعمار وهو أول من يعمل ميدانياً على&مشاريع لا يُشم منها إلاّ روائحالدمار!

عموماً&ففيما يخص&الاهتمام الإعلامي بما يجري في سورية وعما يحدث فيها من قتل ودمار، فمنذ سنوات ونحن نرى بأن الأخبار التي&تجلب الإثارة والتشويق لدى المتلقي هي التي تلقى العناية اللازمة من قبل الفضائيات،&أو عند إرسالها إلى الجهات المعنية بنشر الأنباء، بل ويُلاحظ بأن&تلك الأخبار التي يسيل من حوافها دماء أبناء سورية&تنال قسطاً أكبر من الاهتمام لدى بعض المنابر الإعلامية مقارنة بالمعلومات التي لا تتزيا بالبُهرج الدرامي رغم تضمينها واستيفائها لكل الشروط والعناصر الخبرية والمتعلقة حصراً بأعداد الضحايا، علماً&بأن&أخبار&القتل برمتها&غير مشوقةفي الأساس، إلاّ&أنها بالنسبة للكثير من محترفي الكار هي سلعة كأي سلعة استهلاكية&أخرى،&السلعة&التي قد تلقى رواجاً في مكان ما أو تُستبعد&نهائياً&من قائمة المفضلات في بعض الأماكن،&ونلاحظ الإهمالالمتعمد&من قبل محرري الأخبار في تلك القنوات بالأنباء الواردة من&أماكن أو&أطرافٍ بعينها حتى وإن كان في الخبر تفاصيل عن عشرات القتلى والجرحى،مقابل الاحتفاء بها عندما&يتعلق&موضوع&القتل&بجهات معيّنة،&كما&أن&هدم منزل في مكانٍ آخر قد يحظى بالتغطية&الإخبارية&أضعاف التغطية&الإخبارية&لمنطقةٍقُتل فيها عدة أشخاص،&وبالرغم من أن الإنسان أبدى من الأشياء والأماكن، إلاّ&أن المحطات لا تقدر على إخفاء&وضبط&انحيازها السافر.

وبخصوص الانحياز والتفضيل&لدى الفضائيات،&نصلُ لاستنتاجٍ مفاده&إما أن للجغرافية دور رئيسي في انتقائية الأخبار المتعلقة بالقتلى ومدى أهمية اتجاهاتهم،&أو ميولهم الانتمائية&لدى تلك القنوات، وإما أن البلادة الوجدانية تطال أحاسيس ومشاعر القائمين على إدارة المحطات الفضائية،&بما أن الهدف من النشر لا يتجاوز الحدود التجارية،&ويبدو جلياً&أن الموقف المسبق من بعض الأطراف أو أن أيديولوجية أصحاب المنابر هي التي&تطغى على الجوانب الأخرى في شروط بث الخبر بما فيه الجانب المهني الصرف، لهذا فكثيراً ما تبدي الفضائيات المختصة بالأخبار السياسية الاهتمام الأكبر بفيديو أو مقطع ولو كانت الصورة أو اللقطة برمتها استعراضية تخص إحدى الجهات العسكرية في مراكز أو مواقع تهم الناشر دون سواه، ويكون ذلك الخبر لدى أصحاب القنوات أهم&مئة مرة&من نبأٍ ما يخص&الضحايا في بعض المناطقالنائية في سورية&أو غيرها من البلدان المشتعلة، لذلك فقد&تهمل&بعض القنوات&عن&سوء نية&بعض الأنباء من سلم الأوليات لديها&رغم أنها تتضمن معلومات عن الشهداء أو المقتولين، لأن لحظتها تكون هوية المقتول أو خلفيته الفكرية أو السياسية أو حتى مكانه الجغرافي هو أهم ما في الخبر لدى الإعلامي&أو&المنبر ومن يمول الطرفين.

وفي ختام&هذه الوقفة السريعة&فبعد أن انتقل&شكلالصراع في سورية بين&شعبٍ يطالب بالحرية والكرامةمن جهة&ومن جهة أخرى&نظامٍ&استخدم كل أدواتهالفتاكة&لقمع كل من يعارض عنجهيته، إلى الصراع بين الدول العظى على أرض السوريين، ومن ثم&إلى مرحلة&استخدام الدول الإقليمية لبعض السوريين كأدوات لديها لتحقيق مآربها،&نتصور&بأن محرري بعض الفضائيات المهتمة بالشأن السوري،&ربما كان عليهم العمل بأفلام الأكشن الهوليودية، باعتبارهم فالحين بخلق الإثارة في أخبارهم&المتعلقة بسورية،&ومنها&أذكر بأن&الجزيرة&نشرت&بتاريخ 2 آذار 2017&هذا العاجل: (وحدات كردية تعلن تسليم قرى شرق مدينة الباب للنظام) ومع أن&جزء من&الخبر صحيح،&وقد نشر المجلس العسكري لمدينة منبج&حينذاك&بياناً عن تسليم تلك القرى للنظام، إلاّ&أن&المتابع يشعر وكأن ثمة&هوساختلاقي&يعاني منه&محررو&القناة،&وأن لديهم رغبة دفينة وسعي حثيث لتأليب الحواضن الاجتماعية لأطراف الصراع ضد بعضهم البعض، إذ رغم&معرفتهم&المسبقة&بأن قائد قوات&سوريا الديمقراطية (قسد) كان وقتها شخص&تركماني، ورغم&معرفتهم كذلك بأن هنالك العشرات من الفصائل العربية والفصائل السريانية&منضوية&ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية، وأنه لا أثر لكلمة الكرد أو الكردي أو الأكراد في اسم&تلك القوات، إلا أن&محررو&القناةمصرون على أن ينسبوا كل تلك القوات للأكراد لا لشيء سوى لخلق الفتنة والإثارة والتشويق لدى جمهورهم العريض الواقف على شباك الاحتقان، فيخال&حينئذٍ&للناظر&وكأن محرري&القناة&لم يقرؤوا&إلى حد التشرب&يوماً&كل&ما&يتعلق&بميثاق&الشرف الإعلامي الصادر عن مؤسستهم، أو أنهم يعرفون&بنودالميثاق&وشروطه&جيداً ولكن المموّل أو الأيديولوجيا التي تسيِّر القناة هي التي جعلتهم&وتجعلهم&يعملون ليل نهار بعكس ما يقولونه عن المواثيق الإعلامية، وأنهم لحظة دخولهم إلى مسرح &الإخبار أو&ميدان&"العمل الدرامي"،&يتصورون بأنهم يُعدون&عرضاً&أو&بروشوراً مثيراً لفيلم دموي سيظهر قريباً على الساحة نتيجة الاحتقانات التي يعملون ليل نهار على&تغزيتها ومن ثم&تأجيجها، لذا يضعون في العاجل كل شروط الإثارة.