تختلف الاتجاهات الاقتصادية من حيث ربط عملية الفعل التجاري بالأخلاق السائدة، وهل يعود الأصل في الممارسة التجارية في أن يجري عرض الخدمة أو المنتج من قِبَل مجموعة مُتنافسين وترك خيار الشراء أو الامتناع عنه للمستهلك، أم أن للأخلاق سواءً كانت نابعة من رؤى اجتماعية أو دينية حق فرض القيود أمام خيارات المستهلك؟

والاختلاف عينه لا يشكل ركيزة هامة لحديثنا هنا، إذ أن موضوع الأخلاق ورابطتها بالمنع والتقييد في الفعل التجاري هو الخليق بالطرح من حيث عدم الأهلية رأساً في انتقاص الخيارات التي يجدر بالتجارة أن تحظى بها بجانب حق المستهلك في الحصول على خيارات من غير الواجب أن يكون للأخلاق أياً كان مصدرها حق التدخل في تقريرها.

ولما كانت التجارة عبارة عن رابطة ضخمة تقف على دعامتين اثنتين هما البائع والمشتري، فما كان للعنصر الرقابي سوى دور التنظيم والإشراف دون إقحام هذا الدور في حرية خيارات البائع والمشتري، سيما هذا الأخير. اللهم ما كان يقتضي واجب التدخل لمنع كل ما يثبت امتداده لإلحاق الضرر بغير طرفَي الفعل التجاري، أو ما يحوم حول المتاجرة بالبشر أو السموم والمخدرات أو أساليب الغش مثلاً.&

لكن هل كان من واجب الفعل التجاري أن يسترضي الأخلاق في مسألة تعود نفعها أو ضررها على المستهلك؟ وما علاقة الرؤى الدينية والاجتماعية في الاختيار والقرار الفردي؟ سيما إذا كان صاحب هذا القرار قد بلغ سن الرشد وانتفت عنه العلل العقلية !!

في اعتقادي أن الفعل التجاري أسمى من أن يبقى حبيس الأخلاق السائدة من حيث ممارسة الإجحاف في تقييده بما يجب أو لا يجب أن يكون من المنظور الاجتماعي أو الديني. فالفعل التجاري لا يعدو كونه حق الإبداع في تقديم مُنتج أو خدمة يطلبها المستهلك، وحق هذا الأخير في الحصول عليها. وآية ذلك أن ما يخسره طرفي الفعل التجاري والمجتمع عامةً بسبب القيود الأخلاقية الدينية والاجتماعية، أكثر بمرات عديدة من الخسائر التي تنشأ من إطلاق حرية السوق.

فلو ألقينا بعض الضوء على المنتجات غير المسموح المتاجرة بها في السعودية بينما هي متاحة للتداول في كافة الدول الإسلامية، لوجدنا أن ما يقف خلف هذا المنع هو دوافع أخلاقية دينية واجتماعية. في حين أن تلك المنتجات المتاحة عربياً تستند الى القوة الشرائية السعودية (كأفراد) في إنجاز نسبة لا يستهان بها من مبيعاتها !!

ربما كان من الصواب الاعتراف بأن معظم التشريعات التجارية في السعودية تستلزم مراعاة الجانب الأخلاقي الديني سيما ما يرتبط بالقناعة القائلة بسد الذرائع. لكن هل هذه القناعة كمُعطى قيدي تُعد سبباً وجيهاً لتقييد الاختيار الفردي الحر؟ أم أن أطرافاً أخرى ترى أن وظيفتها الحرص على مصلحة المستهلك نيابةً عن نفسه؟ وماذا لو كان هذا المستهلك مسؤولاً عن نتائج اختيار ما يراه مناسباً له؟

إننا بحاجة الى مقاربة جادة بين الفعل التجاري المرتهن بالأخلاقيات التقييدية، وبين الفعل التجاري المفتوح في العالم الإسلامي من حولنا والمرتهن بالضوابط والاشتراطات. فنحن جزء من منظومة كبرى تشاركنا القيم والأهداف الاقتصادية والاجتماعية نفسها.&

@alfaqeh_ahmed

&