شهد إقليم كردستان العراق في الأيام الأخيرة تغييرا إيجابيا في إدارة السلطة . حيث&&تبوأ&&السيد مسرور البارزاني رئاسة الحكومة بعد ما يقرب من عشرين سنة من إدارة السيد نيجيرفان البارزاني لتلك الرئاسة والتي حقق خلال فترة حكمه الكثير من الإنجازات ، كما لم تخلو رئاسته طبعا من الكثير من الإخفاقات أيضا ، وهذا هو حال كل سلطة&&في الواقع ..

من أهم الإخفاقات التي صاحبت فترة حكم السيد نيجيرفان هو الفساد الذي ضرب بأطنابه جميع مرافق الحكومة والذي عجزت حكومة الاقليم من مواجهته ، لأنه أصبح ظاهرة عامة داخل مفاصل الحكومة والمجتمع أيضا، كما أن الفاسدين في السلطة تحولوا الى عصابات مافيا قوية باتت تتحكم بمقدرات الدولة ، ولذلك كان من الصعب على أية سلطة&&أن تواجه تلك العصابات . ولذلك فإن شيوع الفساد أضر بشكل كبير على أداء الحكومات السابقة وعرقلت جهودها نحو بناء أسس الدولة الحديثة التي يتطلع إليها مواطنو الإقليم بعد كل تلك التضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل التحرر والحكم الذاتي .

ولابد من الإشارة هنا الى أن السبب الرئيسي لشيوع ظاهرة الفساد التي لم يألفها مواطنو اإقليم بهذا المستوى الفظيع ، هو إستشراء الفساد في مفاصل الدولة العراقية عموما ، ففي غياب سلطة رقابية قوية ومتماسكة في المركز ، أصبح الفساد ظاهرة عامة ، ولذلك ليس&&غريبا أن نسمع هنا وهناك بأن حجم الأموال المسروقة من الدولة تفوق مئات المليارات من الدولارات ..

وإخفاقة أخرى للحكومات السابقة بالإقليم هي فشل سياسة الإقتصاد المستقل التي تبنتها حكومة السيد نيجيرفان ، فيبدو أنه كان هناك استعجال غير مدروس لتبني تلك السياسة التي أدت في النهاية الى تراكم ديون هائلة على الحكومة والتي إعترف بها السيد مسرور البارزاني في تصريحاته الأخيرة ، فالسياسة النفطية المستقلة وتقييد الإقليم بإتفاقات نفطية مجحفة تسببت بمجملها في إفقار الإقليم وإضطراره للعودة الى بغداد لتمويل رواتب الموظفين وتأمين حصة من ميزانية الدولة لمشاريع التنمية في كردستان .

وبناء على ماذكرناه آنفا ، فإن الحكومة الجديدة التي يترأسها السيد مسرور البارزاني تواجه في الحقيقة تحديات هائلة لإعادة تقويم الوضع ، والبناء من جديد لإنقاذ الإقليم من الوضع المزري الذي يمر به بسبب تراكم المشاكل الخدمية والمعيشية والإقتصادية .

وقد يحق لنا أن نعلق بعض الآمال على السيد مسرور الذي يحظى بدعم غير مسبوق جماهيريا وحزبيا وبرلمانيا ، فهو&&تلقى دعما كاملا من رئيس حزبه السيد مسعود البارزاني ، وحزبه يحتل أغلبية برلمانية ، وهو مرحب به من جماهير شعبه ، بالإضافة الى كل ذلك أنه جاء من خلفية أمنية كونه تبوأ لفترة طويلة رئاسة جهاز المخابرات الحزبية والحكومية ، بمعنى أنه يعلم جيدا ببواطن الأمور المخفية ، أضافة الى أنه مدرك تماما لحجم الفساد الضارب بالإقليم ويعرف أشخاصه تمام المعرفة ، لذلك كانت مبادرة جميلة منه ، حين رفض قبول العديد من الأشخاص المعروفين محليا بفسادهم من تولي أية وزارة بحكومته ، ما جعل حكومته نظيفة قياسا الى الإدارات السابقة ، وهذا دليل على وجود نوايا طيبة وجدية لديه لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين..

لقد نشرت مقالا باللغة الكردية في المواقع المحلية تساءلت من خلاله عن سبب عدم ظهور شخصية قيادية بوزن رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد&&أو بول كاغامي رئيس رواندا ، أو لي فان نجوين الفيتنامي ،هؤلاء الذين بنوا إقتصاد بلادهم من رماد الحروب ووضعوا بلدانهم في مصاف الدول المتقدمة ، فالشعب الكردي كأي شعب حي لابد أن يكون فيه شخص يستطيع أن يواجه التحديات ويعيد بناء الإقليم حتى ولو من الصفر ، وأن يكون هذا الشخص قادرا على إجراء تغيير جذري في مستوى الحكومة وينهي حالة الفساد المستشري ويصرف جهوده نحو تأمين الحياة الحرة الكريمة لشعبه مثل سائر شعوب الأرض .

لقد أتعبت الحكومات السابقة سواء في الإقليم أو في العراق شعبها ، وأثقلته بالكثير والكثير من الهموم و المعاناة اليومية إبتداءا من الخدمات ، مرورا بشحة الماء والكهرباء ، وصولا الى غياب الديمقراطية الحقيقية ، وقد آن الأوان لكي تغير الحكومة من نهجها الخاطيء في الحكم ، وتتجه نحو بناء حكومة رشيدة تلبي طموحات الشعب من كافة النواحي السياسية والإقتصادية وتحقق فعلا الحياة الشريفة للمواطن .

إنني أتطلع بأن يكون السيد مسرور البارزاني هو الشخص الذي ننتظره جميعا لجعل الحكومة ممثلة للشعب ، وأن يضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين ، وأن يعيد للمواطن الكردي كرامته المهدورة ، ويعيد بناء وطن يحتضن الجميع&&ويحقق العدالة المفقودة ، ويعيد الإعتبار لأصحاب الكفاءات بدل الإعتماد على المحسوبية والمنسوبية ، وأن يواجه بإصرار تحديات المرحلة الحالية لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة . هذا هو المطلوب من رئيس الحكومة الجديد، وكلنا أمل بأن يوفقه الله في مهمته العسيرة وأن يكون هو المنقذ المنتظر.