رحلة مضنية خاضها الرباع الفلسطيني هاني القصاص للمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية المقامة في أندونيسيا، بدأت بمعاناة الخروج من قطاع غزة المحاصر، وصولا الى المشاركة في منافسات رفع الأثقال دون علمه أن شقيقته الصغرى توفيت قبل أيام.

الرباع البالغ من العمر 23 عاما، ترك القطاع المحاصر من قبل إسرائيل للمرة الأولى في حياته، آملا في رفع اسم فلسطين في جاكرتا، من خلال المشاركة في منافسات رفع الأثقال لوزن 77 كلغ في آسياد 2018.

بعد مشقة السفر، وصل القصاص الى العاصمة الأندونيسية قبل ثلاثة أيام من موعد انطلاق الدورة رسميا في 18 آب/أغسطس، وشارك في المنافسات الثلاثاء 23 منه، بعد ثلاثة أيام من وفاة شقيقته.

بصوت متهدج ومحاولة لمغالبة الدموع دون جدوى، يقول القصاص لوكالة فرانس برس "لم يخبروني إلا بعد يوم من مشاركتي".

عشية انطلاق الألعاب، أصيبت شقيقته الصغرى هديل (خمسة أعوام) بوعكة صحية&مفاجئة&نقلت على أثرها الى العناية المركزة، وسرعان ما دخلت في غيبوبة لتفارق الحياة في 20 من الشهر الحالي.

لكن مع ذلك، لم يتم تبليغ القصاص بوفاة شقيقته إلا بعد أربعة أيام من وفاتها، وبعد انتهاء مشاركته في المنافسات.

ويوضح المدير الفني للمنتخب الفلسطيني لرفع الأثقال حسام حمادة لفرانس برس "كنت أول العارفين، وكان للخبر أثر كبير علي إذ أنني تعرضت لموقف مماثل مع شقيقتي".

يضيف بصوت متقطع محاولا إخفاء تأثره "حاولت قدر المستطاع أن أخفي الخبر عن هاني. أبعدته عن كل وسائل التواصل، لأنه صاحب همة عالية ولم أرد له أن يحبط (...) الوضع تطلب منا ضبط عواطفنا من أجل المهمة الوطنية والأخلاقية".

- "أهلي تهربوا مني" -

تحدثت فرانس برس مع البعثة الفلسطينية في القرية الرياضية التي تبعد نحو 20 كيلومترا شمال وسط جاكرتا، ولكن الوصول إليها يحتاج إلى أكثر من ساعة بسبب الازدحامات الخانقة التي تغص بها العاصمة الأندونيسية.

وتستضيف القرية التي يتوقع أن تتحول الى مساكن لذوي الدخل المحدود بعد الحدث،&البعثات المشاركة في الألعاب، في سبع مبان شاهقة الارتفاع.

وتؤشر الأعلام الفلسطينية الى مقر إقامة البعثة في الطبقة الأولى من المبنى الرقم 4. وفي المكتب الرئيسي، جلس هاني بتعابير وجه حزينة يحاول كسرها بابتسامة مصطنعة، يرد بها على كلمات حمادة وأفراد آخرين من البعثة، الذين يحاولون مواساته تارة بعبارات تشجيعية، وطورا بالمزاح.

قبل إبلاغه بالنبأ الحزين، شعر هاني بوجود أمر ما لأن "تصرفهم معي كان غير طبيعي"، بحسب ما يوضح لفرانس برس.

يضيف "قلت لهم ما الذي يحصل؟ أخبروني!"، قبل أن يضرب كفا بكف بحسرة ويقول "حتى أهلي كانوا يتهربون مني على فيسبوك. كنت حين أطلب من أمي أن تتصل بي عن طريق الفيديو، كانت تقول إن الانترنت ضعيف أو إن أخواتي يلعبون خارج المنزل".

يتابع "لا أدري لماذا، ولكنني غادرت غزة قلقا".

لهاني القصاص الكثير من الأسباب التي كانت كفيلة بدفعه للقلق. كان يترك القطاع للمرة الأولى بعدما حاول سابقا مغادرته للمشاركة في منافسات أخرى، على غرار دورة ألعاب التضامن الإسلامي التي رشح للمشاركة فيها&عام 2017 (أقيمت في عاصمة أذربيجان باكو)، إلا أنه لم ينل تصريحا بالمغادرة من السلطات الإسرائيلية.

هذه المرة، أتى التصريح، على رغم أن ذلك لا يضمن الخروج الآمن، وبالتأكيد لا يعني أن المغادرة ستكون عبارة عن رحلة سلسة، لاسيما وأن معابر الخروج قد تقفل في أي لحظة من دون سابق إنذار.

ويوضح "تعذبنا كثيرا في السفر. دائما كنا نتوقع أن نعود أدراجنا بنسبة 90 في المئة لعدم إصدار تصاريح لنا"، عبر أن يصل في نهاية المطاف الى الأردن برا بعد رحلة "استغرقت 15 ساعة أمضيناها بين المعابر".

- شعراء دون مقابل -

لم يكن هاني وحيدا. هو جزء من بعثة تتألف من 101 رياضيا وإداريا، 20 منهم من قطاع غزة. ويسعى الفلسطينيون دائما لرفع علمهم وإثبات تواجدهم في المحافل الدولية، خصوصا في ظل المحاولات الإسرائيلية للتضييق على رياضييهم وتقييد حركتهم، حتى بين الضفة الغربية والقطاع.

من هؤلاء، إبن عم هاني وصديقه أحمد القصاص الذي شارك في منافسات وزن 85 كلغ. ويقول الأخير "خروجنا من غزة (في ذاته) إنجاز، في منافسات سابقة لم نكن أصلا نتكلف عناء المحاولة لأن الأمور محسومة".

ويضيف الرباع البالغ 21 عاما "تخيل أن تصل إلى المعبر ويغلق! في إحدى المرات&جعلونا ننتظر لأكثر من ثماني ساعات ثم رفضوا خروجنا".

معاناة مغادرة القطاع للمشاركة في المنافسات هي جزء يسير من معاناة الرياضيين في غزة، والذين يدفعون كغيرهم من سكان القطاع المكتظ، ضريبة دائما جراء الحصار والظروف الأمنية والاعتداءات الاسرائيلية.

ويشكو الرياضيون الفلسطينيون من غياب الدعم لمسيرتهم.

ويوضح أحمد القصاص "نتدرب في صالة رياضية لنادي فلسطين هي شبه خرابة. غير نافعة على الإطلاق"، مضيفا "يسألنا كثيرون في غزة لماذا نمارس اللعبة في هذه الظروف ومن دون مردود مادي".

الإجابة؟ "نحن كالشعراء، يكتبونه دون مقابل".

لم يحقق الرباعان نتيجة إيجابية. هاني حل في المركز الرابع عشر بين 18 رباعا في فئته، وأحمد عاشرا من أصل 12. رغم ذلك، يرى أحمد أن مجرد الحضور كان كافيا، وفيه فرحة رغم الغصة التي تعتصر قلب هاني.

ويقول "أنا فرح، كلنا فرحون بوجودنا هنا. وكي أكون صادقا، شعرت بمجرد خروجي من غزة أنني حصلت على الميدالية".