احتشد الآلاف الأربعاء داخل وفي محيط كاتدرائية القديس ستيفن في فيينا لوداع أسطورة الرياضة في البلاد وسباقات الفورمولا واحد نيكي لاودا، في جنازة مهيبة لبطل العالم السابق ثلاث مرات الذي طبعت مسيرته النجاة من حادث مروع في السبعينات.

ورحل لاودا مطلع الأسبوع الماضي عن 70 عاما، بعد مسيرة أصبح خلالها أحد أبرز أسماء تاريخ الرياضة، وبقي حاضرا بقبعته الحمراء الشهيرة على هامش السباقات ورئيسا غير تنفيذي لفريق مرسيدس الذي يتوقع أن يحضر سائقه البريطاني بطل العالم لويس هاميلتون المراسم.

ووصل جثمان لاودا الأربعاء في الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي (السادسة بتوقيت غرينيتش) في نعش بني اللون وبمواكبة من الشرطة، ثم نُقل الى الكاتدرائية على وقع قرع الأجراس وتحت أنظار آلاف الأشخاص الذين انتظروا في الخارج تحت المطر.

داخل الكاتدرائية، وضعت زوجة لاودا برفقة اثنين من أبنائه خوذته على النعش المحاط بأكاليل الزهور وصورة للنمسوي وهو يرتدي قبعته الشهيرة التي تخفي آثار يحملها من الحادث الذي تعرض له عام 1976.

ومن المقرر أن يسجى النعش حتى الظهر بالتوقيت المحلي لمنح الناس فرصة توديع بطلهم، قبل أن تقام بعدها مراسم جنازة عامة وأخرى خاصة.

وهي المرة الأولى التي يسجى نعش نجم رياضي في الكاتدرائية، وهو تكريم مُنح سابقا لشخصيات بارزة مثل رئيس أساقفة فيينا الكاردينال فرانتس كوينيغ، وولي العهد السابق للإمبراطورية النمسوية-المجرية أوتو فون هابسبورغ.

وشكل وداع لاودا عنوانا رئيسيا للصحف اليوم، ومنها "أوستيرايش" التي كتبت في صدر صفحتها الأولى "العالم كله يقول اليوم: وداعا نيكي!".

- "لم يتذمر أبدا" -

وذكرت وسائل إعلام نمسوية أن هاميلتون سيحضر مراسم الجنازة الى جانب شخصيات بارزة في عالم سباقات الفئة الأولى مثل منافسه في فيراري الألماني سيباستيان فيتل ومديره في فريق مرسيدس النمسوي توتو وولف، لوداع بطل العالم 1975 و1977 (فيراري) و1984 (ماكلارين).

وارتدى العديد من الأشخاص قبعات بألوان فيراري أثناء وقوفهم خارج الكاتدرائية الرومانية الكاثوليكية القوطية، في طابور امتد الى الشوارع القريبة تمهيدا لإلقاء نظرة الوداع على لاودا.

وقال رولاند، الفني البالغ من العمر 41 عاما من فيينا، لوكالة فرانس برس أنه "على الرغم من أنه (لاودا) واجه ظروفا صعبة جدا، لم يتذمر أبدا. إنه مثال يحتذى به بالنسبة للنمسا".

أما المتقاعدة سوزان شيفلر، فقالت إنها أتت لتقديم التعازي بعدما استخدمت شركة الطيران الأولى التي أنشأها لاودا 10 مرات على الأقل، بينها مرتان في قمرة القيادة معه، فضلا عن رؤيته في وسط فيينا مرات.

وكشفت "كان دائما ودودا. من الطبيعي أن نكرمه للمرة الأخيرة. لقد كان رائعا. قيل أنه كان بخيلا، لكنني أعلم أنه تبرع كثيرا بعيدا عن الأضواء".

حتى بعد اعتزاله كسائق سباق، بقي لاودا لاعبا اساسيا في الحلبة، وآخر مناصبه كان كرئيس غير تنفيذي في مرسيدس بطل العالم منذ عام 2012، ولعب دورا مؤثرا جدا في قدوم هاميلتون الى الفريق الألماني.

وبعد فوز البريطاني الأحد بجائزة موناكو الكبرى التي اعتبرها "أصعب سباق خضته على الإطلاق"، أهدى الانتصار الى لاودا، مغردا على تويتر "كان هذا من أجلك يا نيكي. روحك القتالية كانت بصحبتي هناك في كل خطوة. أعرف أنك تنظر الينا من فوق وترفع قبعتك لنا. أفتقدك. إننا نفتقدك حقا وآمل أن نكون قد جعلناك فخورا اليوم. أسطورة".

- أغنياته المفضلة -

ويتوقع أن يشارك في مراسم الوداع 300 ضيف من كبار الشخصيات، مع 800 مقعد إضافي و3 آلاف مكان مخصص لوقوف الجمهور.

ومن المتوقع أن يلقي كلمة كل من السائقين السابقين النمسوي غرهارد برغر الفرنسي ألان بروست، وكذلك الرئيس النمسوي ألكسندر فان دير بيلن وحاكم كاليفورنيا السابق والممثل النمسوي الأصل أرنولد شوارتسنغر.

كما يتوقع أن تتردد في الأرجاء، بعض الأغنيات المفضلة للاودا.

ولم يتضح بعد المكان الذي سيخلد فيها لاودا الى الراحة الأبدية، وسط تقارير عن رفض عائلته عرض بلدية فيينا بتخصيص قبر له في المقبرة المركزية في العاصمة النمسوية.

وتوفي لاودا ليل الإثنين الثلاثاء في الأسبوع الماضي على سرير في المستشفى الجامعي في مدينة زوريخ السويسرية، محاطا بأفراد عائلته، وذلك بعد تسعة أشهر على خضوعه لعملية زرع رئة.

ويعتبر لاودا أسطورة في عالم الفورمولا واحد ليس بسبب ألقابه الثلاثة وحسب، بل بسبب المحطة الأبرز في مسيرته وهي نجاته من الموت في الأول من آب/أغسطس 1976، عندما تعرض على متن سيارته فيراري، لحادث مروع على حلبة نوربورغرينغ الألمانية، أدى الى إصابته بحروق بالغة لم يمح الزمن آثارها من على وجهه.&

التهمت النيران سيارته بعد خروجها عن المسار، ويدين ببقائه على قيد الحياة إلى تدخل السائقين الآخرين الذين أخرجوه من السيارة بعدما ظل بداخلها لنحو دقيقة.&

عاد لاودا المقاتل إلى الحياة... والسباقات. بعد نحو ستة أسابيع فقط من رقوده على سرير المستشفى بين الحياة والموت، أذهل الجميع بقراره المشاركة في سباق جائزة إيطاليا الكبرى على رغم آثار الحادث والاصابات الخطيرة على وجهه. في ذلك الموسم، نافس على اللقب حتى السباق الأخير مع البريطاني جيمس هانت الذي توج بطلا.

بعد عام فقط من نجاته من الموت، توج لاودا في 1977 بلقبه العالمي الثاني مع فيراري بعد الأول عام 1975، ثم بعد عامين من لقبه الثاني، اختار اعتزال السباقات والانتقال الى تأسيس أعماله الخاصة، وأولها في 1979 شركة طيران أطلق عليها اسم "لاودا للطيران".

شغفه بالسباقات أعاده الى الحلبات في عام 1982 ليقود سيارة ماكلارين، وعلى متنها توج مرة ثالثة وأخيرة بلقب بطولة العالم عام 1984.