كاغا باندورو: تتنقل أقلام التلوين بسرعة على الأوراق البيضاء في مخيم النازحين في كاغا باندورو في شمال جمهورية إفريقيا الوسطى إذ ينكب الأطفال على رسم يومياتهم الزاخرة&برجال مسلحين ودبابات مع طغيان اللون...الأحمر.

في إحدى الخيم، تتأمل الطبيبة النفسية مامي نوريا مينيكو هذه الرسوم التي تعتبر مؤشرا على الصحة العقلية للأطفال، ومتنفسا يحتاجون إليه بشدة.

وتقول "مشكلتهم هي أنهم يتعرضون لمشاهد العنف بشكل يومي".

وتدير هذه الكونغولية البالغة من العمر 43 عاما برنامجا للصليب الأحمر في مخيم النازحين هذا لمساعدة الأطفال الذين يعانون من أعراض ما بعد الصدمة.

وتضيف "الرسم يساعد الأطفال على التعبير عما يشعرون به. إنه يوضح ما لا يمكن للأطفال أن يقولوه بصوت عالٍ... في بعض الأحيان، يبدأ بعضهم البكاء بمجرد بدء الرسم". &

- سنوات من العنف -

تعد مدينة كاغا باندورو التي تستقبل المخيم بمثابة نموذج لدراسة حالة عدم الاستقرار والعنف الدائر في جمهورية إفريقيا الوسطى.

على مسافة حوالى 330 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة بانغي، تقع هذه المدينة على تقاطع طرق استراتيجي يستخدمه رعاة الماشية الرحل.

لمدة خمس سنوات لا هوادة فيها، كانت كاغا باندورو في قبضة الجماعات المسلحة، وهي ميليشيات تسيطر على معظم أرجاء البلد المضطرب.

وعادة ما تزعم هذه الميليشيات أنها تدافع عن مجموعات أو ديانات عرقية معينة، لكنها تقاتل فقط من أجل الاستحواذ على الموارد وتقوم بالابتزاز وأعمال العنف.

وفي هذه الجمهورية التي يبلغ عدد سكانها 4,5 ملايين نسمة، زهقت آلاف الأرواح، وفر 650 ألف شخص من ديارهم وهاجر 575 ألفا آخرون، وفقا لأرقام الأمم المتحدة اعتبارا من ديسمبر من العام الماضي.

وخلال أعمال العنف، شاهد العديد من الأطفال الضرب وعمليات الاغتصاب والقتل. وقد رأى البعض منازلهم وهي تتعرض للغزو وأهاليهم يتعرضون للإهانة أو الأذى أو الاختطاف أو القتل.

في كاغا باندورو، عاد الهدوء النسبي الشهر الماضي مع وصول القوات المسلحة بعدما وقّعت الحكومة و14 من أمراء الحرب اتفاق سلام في فبراير، وهو الثامن في سلسلة المعاهدات.

وفي الوقت الحالي، يقتصر وجود الميليشيات على قاعدتهم، رغم وجود أعمال عنف متقطعة في ضواحي المدينة.

- أطفال مضطربون -

مكّن برنامج الصليب الأحمر نوريا مينيكو من تحديد 233 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 5 و15 عاما يعانون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

وفيما تجلس على حصيرة، تسأل مجموعة من ستة أطفال: "من حلم حلما سيّئا الليلة الماضية؟" فترتفع ثلاث أيادٍ.

وتخبر فلورين البالغة من العمر 10 سنوات وشقيقتها على حرجها كابوسها قائلة "أمي وأبي أتيا لأخذي لكنني أخبرتهما بأنني لا أستطيع الذهاب معهما"، فقد قُتل والداها العام 2013 على أيدي مجموعة سيليكا المسلحة وهي بغالبيتها مسلمة.

لمساعدة الأطفال على معالجة الصدمات، تعلمهم الطبيبة النفسية تقنيات التنفس والاسترخاء.

وتقول فلورين التي تم تغيير اسمها لحمايتها: "عندما أشعر بالضيق أقوم بهذه التمارين وأفكر في وجبة لذيذة".

- والد متوفٍ -

يجلس إلى يمينها إيرفيه &البالغ 12 عاما، وهذه جلسة العلاج الثالثة له.

وتظهر رسوم إيرفيه دائما الأمور نفسها: شاحنات صغيرة مزودة بمدافع رشاشة مثبتة على ظهرها، جثة في النهر، يد في بئر، منزل يحترق ووالده في الداخل.

ويقول "يجب أن أرسم لأنزع الصور من رأسي وأصبح قادرا على النوم". وتشير والدته إلى أن الجلسات ساعدت الصبي وحسّنت علاقته بها، مضيفة "من قبل، كان يبكي طوال الليل. أما هذا الأسبوع فاستيقظ خمس مرات فقط". ويساعد العلاج أيضا الأهل على فهم سبب رغبة الطفل في الحصول على الاهتمام أو تصرفهم بعدوانية.

وتعترف والدة إيرفيه بأنه "قبل ذلك، عندما لم يطعني ويفعل شيئا سخيفا، كنت أضربه. لم أكن أفهم، لكنني الآن أصبحت أعلم لماذا ونتحدث عن المشكلة سويا".

- "حلقة مفرغة" -

يقول البروفسور جان كريسوستوم غودي كبير الأطباء في مستشفى الأطفال في بانغي، إن المشكلات العقلية المرتبطة بالنزاع منتشرة في بلد يعاني من العنف منذ العام 2003.

لكن هذه المسألة تعتبر أيضا من المحرمات.

ويوضح: "إنها مشكلة صحة عامة فعلية. يمكن أن تسبب الصدمة غير المعالجة الاكتئاب، وقد تؤدي إلى العنف... إنها تغذي الحلقة المفرغة".

وتضيف نوريا مينيكو أن الأطفال، مثل فلورين وإيرفيه، الذين شهدوا أعمال عنف شديدة، يتحملون عبئا مدى الحياة.

وتلفت إلى أنه "لا يمكننا مسح الأحداث من عقولهم... ما نحاول القيام به هو مساعدتهم على التعايش مع الصدمة التي تعرضوا لها".