لا يبدو أنَّ الطرف الآخر يقبل فكرة الشراكة أو يستسيغها؛ هذا هو حال العراق على أثر حكوماته التي توالت وأسمائه التي تغيرت وأعرافه السلطوية التي تبدلت... كل شيء يوحي بأن مركزية القرار حكماً وفهماً ومضموناً سار ويسير على ذات المنهجية الأولى، منذ بدأ التشكيل الأول لدولة العراق بعد المئة عام من ذات التجربة المستنسخة.

وبطبيعة المنطق، فإنَّ أزمة المكونات العراقية عربية إن كانت بشقيها وتوابعها، كوردية أو تركمانية أو دينية أو مذهبية، لم تجد طريقاً للخلاص نحو تفاهمات قادت خلال تلك الأعوام من التجربة إلى غد يلوح بأفق التفاهمات على أقل تقدير وفق المشتركات المشتتة تباعاً، بفرضية قوانين البلاد المتعمقة بمركزية القرار والمتجذرة بخلافات لم تؤول إلى حلول ولن تؤول وفق تناسخ الحالة.

والاستطراد في الحديث هذا قد يسوقنا إلى أمثلة لحالات وثقتها التواريخ ولم تُؤخذ منها العبر، حتى صارت عناوين الأخبار متشابهة من حيث الخلاف لجوهر القضية الأساس ومتفقة من حيث اللاحلول أو منها ما كان وقتياً لمرحلة ما أن تنتهي لتعود أدراج الخلاف مصطلحات أبت أن لا تترك موضعها المؤسس والمستخدم كل حين.

تلك التراكمات لم يزحها تَغير السلطات في العراق وأعرافها، ولم يلغ وجودها دستور صوت عليه العراقيون بأنفسهم، حتى وإن اختزلنا المسافات الزمنية بكل مافيها لنحدد ونؤكد على ديمقراطية العراق الحديث بعد عام 2003 شكلاً وتعريفاً على الاقل توحي ظاهريته من مبدأ العنوان على عمق المشتركات من مفهوم ما زلنا نجهل أسباب عدم تطبيق ديمقراطيته المنتقاة من العنوان للعراق الحديث.

لسنا خارج السرب لنغرد بصوت كوردي لا يفهمه الجانب الآخر، ونحن من أسسنا ودعمنا حكومات العراق الحديث على أقل تقدير، ونحن كنا قد شاركنا في كتابة الدستور وصوتنا عليه بكل ثقة وأمانة أودعناها عند سلطات الأربع سنوات في بغداد، آخذين بنظر الاعتبار أن ينصف الجانب الآخر بداية مفهوم قبول الكورد من الشراكة نحو البناء أولاً والحقوق العادلة بين الجميع حكماً وتوازناً وتوافقاً لا يحتاج إلى تفسيرات وتعقيدات ستعقد المشهد العراقي برمته لاحقاً، وتؤزم مفهوم البناء الذي دخلنا إليه طواعية من ذات المبدأ الأساس... على أقل تقدير لإدراك حكام العراق بقضية الكورد وتاريخ نضالهم الطويل لنيل الحرية الذي خط بدماء الشهداء وبحسب التاريخ وشواهده ما تزال شواهدنا خير دليل على ثبات مواقفنا، وان فرضت السياسة وقع حضورها وحاول السياسيون في الجانب الآخر من تقسيم وحدة الكورد وتقزيم حضورهم من خلال ما يعرف بنظام المحاصصة وبيع وشراء الذمم، حيث ما وجهت الدفة لسوق المناصب وسوقها في ما بعد لتشتيت وحدة الصف من خلال لعبة التجربة.

تلك الحقيقة عادت وتعاود حضورها كل حين، لكنها فشلت لأسباب عدة، منها ما هو غير قابل للتفسير والنقاش على أقل تقدير من حيث اللغة والجبل والعلم الكوردستاني، ففي كل بيت كوردي هناك شهيد وفي كل رقعة هناك تعريب وفي كل ماضي هناك ثورة وحضور... نعم قد تخلق السياسة أجواء تتيح اللعب على وتر الكتلة الأكبر والتحالف الذي سيشكل الحكومات، لكن قطعاً لن تتقاطع تلك الأحداث مع الثوابت الراسخات عند الكورد شعباً وقيادة أصر الزعيم البارزاني من خلال أحاديثه على ثوابت لم ولن تقبل جدلية التفسير والنقاش على أقل تقدير من مبدأ الحقوق والشراكة من حيث التوازن والعدل والإنصاف.

لذلك، ومن حيث المنطق، تتبدل وتبدلت حكومات العراق وبقي العمق في القضية الكوردية راسخاً، وإن اختلفت الآراء أو سحبت بعض الآراء.